تصميم ومتابعة وتطوير المدونة بواسطة :

تم عمل هذه المدونة بواسطة : أحمد السعيدي
http://aldhafaeri.blogspot.com/


الخميس، 16 فبراير 2012

الديوانية.. «دينامو» المرشحين وقاعدة العمليات في الانتخابات



كتب أحمد يحيى
منذ نشأة المجتمع الكويتي، والديوانية أحد سماته ومميزاته بين غيره من المجتمعات، وهي منتدى سياسي وثقافي واجتماعي لما يناقش فيها من أخبار وموضوعات، وهي بمثابة مطبخ صناعة القرار في كثير من الأمور السياسية والاجتماعية وغيرها.
في الأيام العادية تعتبر الديوانية مُلتقى لأهل الكويت، وفي رمضان تكون دارا للمناسبات، وفي الأفراح تمثل صالة لاستقبال المهنئين، وهكذا.
ويُسجل التاريخ «حركة ديوانيات الاثنين» بعد حل برلمان 1986، حيث حركت المعارضة الشارع ولجأت لهذه  الديوانيات فأصبح للديوانية وجهها السياسي.
ولا يخفى على أحد ذلك الدور الذي تلعبه الديوانية في الحملات الانتخابية فهي المجال المكاني الأنسب الذي يمكنه أن يجمع المرشحين والناخبين في صورة ودية بعيدا ن الرسميات.
وعن تاريخ الدواوين أو الديوانيات قال الباحث في التاريخ والتراث أحمد محارب الظفيري لـ«عالم اليوم» إن لفظ ديوان له أصل أعجمي، حيث لم يكن العرب قبل الفتوحات الكبرى في عهد الخليفة الثاني الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعرفون هذه التسمية، وعندما تم تحرير العراق من الأمبراطورية الفارسية في ذلك الوقت، وجدوا أن الفرس لديهم نظام تسجيل منظم اسمه «دوّان» بمعنى السجل، فكانوا يقولون «دوان الجند» مثلاً، فاستخدم العرب هذا النظام وأطلقوا عليه مسمى «ديوان» من أجل أن تتماشى مع النطق العربي، فالعرب دوما يحورون الكلمة الأعجمية حتى تتماشى مع النطق العربي مثلما حوروا «فانلس» وأسموها «الأندلس».
وأكمل كان استخدام العرب في ذلك الوقت لـ«ديوان» استخداماً رسمياً أيضا، مثل، ديوان الجند، ديوان المتطوعين، ديوان العطاء وكلها بمعنى السِّجل وأسموا المكان الذي يجلس فيه الكتبة أيضاً ديواناً.
ونظم الخليفة عمر بن الخطاب الديوان على أسس مرتبة وبات لكل نشاط في الدولة الإسلامية سجلات تُسمى الدواوين، ويصغرونه بـ«دويوين»، ثم بعد ذلك بدأ استخدامها يتحول إلى الاستخدام الشعبي، حيث في الزمان الماضي كانت الأخبار تأتي من الركبان الذين ينقلون البضائع من المشرق إلى المغرب ومن الشام إلى مصر والعراق وغيرها محملين بالبضائع، وكانوا يسمون «تجار عقيل» معظمهم من أهل نجد، حيث كلما وصلوا مكاناً حدثوا القوم عن أخبار الأقوام الأخرى، وكانوا ينزلون إلى الدواوين، فأصبح الديوان مُلتقى للأخبار ومصدر لها بنفس الوقت، إلى جانب أنه مضافة حيث كان الرُحل والقادمون من أماكن بعيدة يجلسون وينامون فيها.
وقال الظفيري: كان لشيوخ الخليج وأمرائها وسلوكها دواوين، فكان الملك عبدالعزيز رحمة الله عليه دار ضيافة يسمونها «سُليم» يقدم فيها الزاد للضيوف، وكان العبد اسمه «سرور» فقال أحد الضيوف الذين كانوا يتقاطرون على مضافه الملك عبدالعزيز:
يا سرور بسليم كلك نور
حيثك تعرف المواجيب
يعل من ومرك منصور
فعلك يسر المعازيب
من باب صنعا إليا الخابور
تجيك مثل الدواليب
وأضاف: وفي الكويت  كان للشيخ جابر بن عبدالله الصباح «جابر العيش» الحاكم الثالث للكويت، مضافة كبيرة «ديوان» يقدم فيها العيش «الأزرق» واللحم والطعام لكل من قدم من سفر بعيد، وقد ذكر المستشرقون أنه كان كريما جدا، وكذلك كان للشيخ مبارك الصباح رحمه  الله، مضافة كبيرة تستقبل الضيوف، وكان له عبيد يأخذون الركايب «فرس أو ذلول أي ناقة ركوب أصيلة» إلى مكان لها، فيما يقوم رجال المضافة «الديوان» يستقبلون الضيوف في المضافة ويقدمون لهم  الزاد والقهوة العربية.
واستطرد الظفيري هذه المضافات أصبحت تُسمى الدواوين بعد ذلك، فعند عرب الصحراء في جزيرة العرب يُقسم بيت الشعر قسمين، قسم حرم للنساء، وقسم ديوان يسمونه الربعة «ربعة الرجال» وانتشر الديوان عند عربان الجزيرة بالحواضر والبوادي وأصبح بمعنى دار الضيافة.
وتابع: في مجتمعنا قبل ظهور النفط كانت الدواوين عند الشخصيات والرجال الغانمين المعروفين عند الحاكم عند شيوخ القبائل والأفخاذ يجلسون فيها ويتبادلون الآراء في ربعة الرجال في بيت الشعر، وكان الديوان ينسب إلى اسم الأسرة أو عميد الأسرة مثل ديوان شملان بن علي بن سيف الرومي أو يقال ديوان الرومي وهكذا، أما بعد ظهور النفط فقد تكررت الدواوين في الأسرة الواحدة وأصبح لكل شخص ديوانه الملحق في بيته، وبات مجلسا للضيوف الذين يُسيّرون عليه «يزورونه». وأصبح مجمعا يتبادلون فيه الحديث عن الأمور الخاصة والعامة بالمنطقة أو بالدولة سواء سياسية كالانتخابات أو ثقافية لتبادل الأشعار أو تاريخية أو دينية وغيرها، لأن رواد الديوانية هم جماعة واحدة كل يعرف الآخر، وهم من فريج «فريق» واحد أو من محلة «حارة».
من جانبه قال أستاذ علم الاجتماع بجامعة الكويت د. يعقوب الكندري إن الديوانية تمثل أحد أذرع التراث الكويتي الأصيل والقديم وهي عادة اجتماعية متوارثة من الآباء والأجداد على مر العصور، ولها من الوظائف الاجتماعية ما لها إلى جانب أدوارها التربوية والتثقيفية والإعلامية والسياسية والتي لا يمكن الاستغناء عن أي منها.
وأوضح أن الديوانية لعبت أدوارا بارزة في مراحل التاريخ الكويتي المختلفة، سواء منذ أن كان المجتمع المحلي مجتمعا تقليديا، أو أثناء الغزو العراقي الغاشم على أرضنا أو حتى في الحقبة المعاصرة، حيث وضعت لها بصمة قوية في مراحل الكويت الثلاثة.
وزاد: الديوانية يبرز دورها السياسي ويصل إلى أوجه أثناء فترات الانتخابات البرلمانية كما هو الحال حاليا، حيث تأخذ شكل المنتدى الأساسي والمحرك الرئيسي لعملية الانتخابات عبر مجموعة من أدوارها المحورية والتي من أبرزها أنها وسيلة من وسائل تواصل المرشح مع ناخبيه، فمن خلالها يمكنه وعرض أفكاره وآرائه ووجهات نظره، ويضع أطروحاته وخططه بين يدي ناخبيه، ومن ثم يمكن الرواد الديوانية أن يستمعوا إلى فكرة وتوجهاته ويقارنوا بينه وبين غيره من المرشحين وفي النهاية ترجع كفة أحدهم على الآخر عبر تكوين قناعة الناخبين وتحديد خريطة التصويت وما ان كانوا سيصوتون لهذا المرشح من عدمه.
وأكد الكندري: لا يمكن في ظل ثقافتنا ومعتقداتنا الاجتماعية الاستغناء عن الديوانية في العملية السياسية وبالأخص في الجانب  الانتخابي، ولا يمكن أيضا لأي مرشح مهما كان تاريخه وأيا ما كانت قوته أن ينجح في الانتخابات ما لم يكن له تأييد واسع من قبل رواد ديوانيات المنطقة، لذا يمكن القول بكل ثقة إن الديوانية هي العمود الفقري لنجاح المرشح في المجتمع المحلي.
وأضاف: للديوانية كذلك دورا إعلامي قلما تجده في أي مجتمع آخر، وخاصة أثناء العملية الانتخابية، إذ أنها تتفوق على غيرها من الوسائل الإعلامية سواء أكان تلفزيونيا أم صحافة وهكذا في كون طريقة عرضها للأمر بين المرشح وناخبيه بصفة ودية وتطغى عليها جوانب الألفة والأخذ والرد بشكل تلقائي لا يمكن ان تنقله وسيلة غير الديوانية، لذا فهي ملتقى ثقافي، علمي، وأدبي يعرض المرشح بهيئته الطبيعية بعيدا عن أضواء الصحافة وفلاشات التلفزيون.
وذكر: لقد لعبت الديوانية الدور المحوري في السابق في إيصال العديد من المرشحين إلى مجلس الأمة فأصبحوا نوابا بفضل تواصلهم مع روادها، ولا يزال هذا الدور مسجلا باسمها.
إلى جانب انها تعتبر من وسائل الضغط السياسي على المترشح الذي يريد الوصول إلى قاعة عبدالله السالم، وهذا الضغط يتم من خلال الرواد، الذين يمثلون القواعد الانتخابية التي لا يمكن ان يتنازل عنها المترشح.
وختم: والدواوين كذلك مطبخ للقرار السياسي، فكثير ما نسمع النواب يؤكدون عبر وسائل الإعلام أنهم استطلعوا مطالب رواد الديوانيات وأنهم يضمون مطالب الرواد إلى أولوياتهم وبدون الديوانية لن ينجح أحد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق