تصميم ومتابعة وتطوير المدونة بواسطة :

تم عمل هذه المدونة بواسطة : أحمد السعيدي
http://aldhafaeri.blogspot.com/


الخميس، 16 فبراير 2012

سرقة الحجر الأسود وستار الكعبة.. جريمة اقترفها القرامطة « 2 - 2 »



كتب أحمد بن محارب الظفيري
 
القرامطة حركة شعوبية ابتدأ أمرها برجل من خوزستان في إيران قدم إلى قرية النهروان بسواد الكوفة وادعى الزهد والتقشف ومع مرور الأيام بدأ بنشر دعوته وكثر اتباعه في عصر ضعف الدولة العباسية وحين ركزوا أمرهم في البحرين بدأ أبوسعيد الجنابي الفارسي بتشكيل قوة كبيرة وهاجم القطيف والإحساء واحتلهما وهاجم الكوفة، وتعاقب حكام الدولة القرمطية التي استمرت 184 عاما يهاجمون الحجاج حتى أن أحد قادتهم المدعو أبوطاهر سليمان هاجم مكة وقتل 30 ألف حاج وسبى النساء ثم تبعه الأعصم القرمطي فاحتل الشام. القرامطة قاموا أيضا بسرقة الحجر الأسود وستار الكعبة المشرفة لكنهم اعادوهما بعد سنوات، وقد بدأت شوكتهم تضعف حتى قام القائد العربي عبدالله العيوني من بني عبدالقيس بجمع القبائل العربية وأسقط دولتهم في البحرين حيث بدأ عهد الدولة العيونية العربية.
وفيما يلي مادة دسمة عن تلك الحركة الشعوبية وتفاصيل نشوئها وفظائع ما ارتكبته من أفعال دنيئة بحق الإسلام والعروبة وذلك نقلا عن أوثق كتب المؤرخين.
نتابع في الحلقة الثانية عن حركة القرامطة الحديث عن دولتهم ومؤامراتهم على العروبة والاسلام حيث وصلنا في الحديث الى موت ابي طاهر سليمان في الحلقة الاولى وبعد ذلك حصلت المؤامرات بين ابنائه وبين اعمامهم فبعضهم استقل في البحرين وبعضهم في الاحساء والقطيف، وتمكن سابور بن ابي طاهر سليمان من السيطرة على الحكم في البحرين وسجن عمه ابا المنصور احمد بن الحسن، لكن عمه افلت من السجن وتجمعت تحت امرته قوة كبيرة وثب بها الى الحكم وامر بقتل ابن اخيه سابور ونفى بقية اخوة سابور الى جزيرة البحرين «أوال» وتولى ابو المنصور احمد بن الحسن بن بهرام الجنابي حكم القرامطة الى ان توفي مسموما سنة 359هـ / 969م وتولى بعده ابنه ابوعلي الحسن الملقب بالاعصم وكان طموحا متشبها بعمه السفاح سليمان بن ابي سعيد، واهتم الاعصم بالجيش وكون له قوة كبيرة واستطاع ان يغزو الشام مرات عدة حتى تمكن من احتلالها سنة 357 هـ /967م  ومن الشام توجه الى مصر وحاصر القاهرة لكنه لم يتمكن من احتلالها ورجع الى الشام ومات في الرملة من بلاد الشام سنة 366 هـ/ 976م وكانت ولادته بالاحساء سنة 278/891م.
وضعف امر القرامطة بسبب كثرة الخلافات بينهم، وبدأت القبائل العربية بمهاجمتهم والاغارة على مدنهم وكانت الدولة العباسية تشجع زعماء هذه القبائل مثل الاصفر بن ابي الحسن زعيم قبيلة المنتفق الذي حاصر مدينة الحساء ثم مدينة القطيف سنة 377 هـ/987م وكثيرا ما كان يغزوهم وينهب حلالهم «ابلهم ومواشيهم» عندما يجدها في مراعي الصحراء او خارج اسوار المدينة.
وفي مطلع القرن الخامس الهجري ضعف امر القرامطة وانكسرت شوكتهم وانحصر نفوذهم فقط في مدينة الاحساء «هجر» فأصبحت هي مركز ثقلهم فتحشدوا فيها وركزوا اهتمامهم عليها بعد ان انسلخت بقية المدن من حكمهم مثل القطيف «الخط» والبحرين «أوال».

الأسوار العظيمة

ولقد مر الرحالة الفارسي ناصر خسرو القبادياني (ت 481 هـ/1088م) صاحب كتاب «سفرنامة» الاحساء سنة 442 هـ/ 1050م ووصف المدينة وحالتها الاجتماعية والاقتصادية تحت حكم القرامطة في آخر سني حكمهم بعد ان ضعفت قوتهم، يقول ناصر خسرو:
في آخر سنة 442 هـ بعد تأدية فريضة الحج دخلت مدينة الاحساء، وهي مدينة ذات اسوار عظيمة تضم المزارع والارياف داخلها ولها اربعة اسوار كل واحد يحيط بالاخر في شبه دائرة كاملة، والمسافة بين السور والاخر قرابة فرسخ «4.8 كيلومترات» وتكثر العيون في الاحساء، وعلى كل العيون سواقي ترفع الماء تسقي المزارع، ومدينة الاحساء تتوسط هذه الاسوار العظيمة، ويوجد بها من الامكانات كل ما يراه المرء في كبريات المدن، وعدد جيش المدينة اكثر من عشرين الف جندي ويزعمون ان حاكم المدينة شريف من الاشراف قد منع الناس من تأدية شرائع الاسلام وقال لهم قد رفعت عنكم الصلاة والصيام واخبرهم ان لا مرجع لهم في امور الدين غيره، واسم حاكم الاحساء ابوسعيد «ابوسعيد هو كنية المؤسس الاول للقرامطة»، واذا سئل احد الاحساء عن مذهبهم اجابوا نحن «بوسعيديون» ولا يصلون ولا يصومون، وقبر ابوسعيد في الاحساء وعليه مشهد كبير ويرابط على قبر «ابوسعيد» مؤسس الاسرة الحاكمة فارس على صهوة جواده، ويتناوب الجند حراسة ذلك القبر ليلاً نهاراً، وهم يتوقعون انبعاث ابي سعيد من القبر، لذلك وضعوا على القبر فرسا مطهما في غاية الزينة والابهة ليركبه الامير اذا قدر له ان يبتعث من قبره، ويقول اهل الاحساء ان ابا سعيد قال لأبنائه وهو على فراش الموت انني سأبعث واعود اليكم بعد موتي، فإذا لم تتعرفوا علي فاضربوا عنقي بالسيف فإنني سأحيا مرة اخرى، وقد قال ابوسعيد هذه المقولة حتى لا يجرؤ انسان بعد موته على الادعاء انه «بوسعيد».
وللأسرة البوسعيدية الحاكمة في الاحساء قصر عظيم، هو دار ملكهم، والعرش الملكي عليه ستة كراس يجلس على كل كرسي واحد من الحكام البوسعيديين الستة، ويقابل العرش الملكي مكاناً آخر صفت عليه ستة تخوت يجلس عليها ستة من الوزراء.
ويسمون سلاطين الاحساء الستة بـ«السادة» كما يسمى وزراؤهم الستة بـ«الشائرة».
ورأيت في الاحساء نوعا من النسيج الجيد يقال له «فوطة»  يحملونه الى البصرة للتجارة ثم ينقل من البصرة الى كل اطراف العالم، ورأيت في الاحساء مطاحن للدقيق يملكها البوسعيديون وتتولى طحن غلال السكان دون ثمن، ويصرف للعاملين فيها والمشرفين عليها من الخزانة السلطانية.
ولم ار في الاحساء مسجدا للجمع، فإنهم لا يصلون ولا يخطبون في ايام الجمع، الا ان رجلا فارسيا بنى في الاحساء مسجدا واسم ذلك الرجل «علي بن احمد» وهو رجل صالح من خيار المسلمين، فاذا مر الحجاج واغنياء المسلمين بالاحساء وسمعوا به وصلوا في مسجده تعهدوا الرجل بالمال والاحسان.
وتوجد في الاحساء لحوم كل الحيوانات كالقطط والكلاب والحمير والبقر والغنم، وكل نوع من اللحم يشترطون على بائعه ان يضع رأس الحيوان الى جانبه حتى يعرف الشاري نوع اللحم، وفي الاحساء يسمنون الكلاب ويعلفونها كما يعلفون الغنم حتى تصبح عاجزة عن المشي من كثرة الشحم واللحم ثم يذبحونها ويأكلونها، ومعاملات الناس في الاحساء في البيع والشراء تتم بعملة رصاصية يضعونها في مقاطف، فاذا باعوا او شروا تم ذلك بواسطة هذه المقاطف التي تحوي الرصاص ولا يسمح بتداول هذه العملة خارج الاحساء.
الكلام اعلاه منقول من «سفرنامة ناصر خسرو» ترجمة الدكتور احمد البدلي، نشر جامعة الملك سعود بالرياض، وللسفرنامة ترجمة اخرى للدكتور يحيى الخشاب، نشر مطبعة لجنة التأليف بالقاهرة، قرأناها ايضا للتأكد من المضمون وللمقارنة بين الترجمتين.
ويقول محمد بن عبدالله آل عبدالقادر صاحب كتاب «تحفة المستفيد بتاريخ الاحساء في القديم والجديد» ومن عوائد القرامطة القبيحة المشهورة «ليلة الماشوش» وهي ليلة عيد لهم تجتمع فيها النساء والرجال، فيغنون ويلعبون ويشربون الخمور، فاذا انتشوا اخذ كل رجل امرأة ممن يليه من النساء فقضى حاجته منها واستمرت هذه العادة فيهم ثم زالت بزوالهم.

زوال دولة القرامطة

ويشاء الله ان تزول دولة القرامطة بعد ان عاثت بالارض فسادا، على يد البطل العربي عبدالله بن علي العيوني، قيل انه من قبيلة بني عبدالقيس، وقيل انه بكر بن وائل سكنوا مع قبيلة بني عبدالقيس الكبيرة.
والعيونيون قوم من بني عبدالقيس ومعهم جماعة من بكر بن وائل سكنوا مشارف عيون المياه بالاحساء، ونسبة الى عيون المياه تسموا بـ«العيونيين».
وفي هذه الفترة المتأخرة من حكم القرامطة، كان رحم الجزيرة العربية يدفع بهجرات جديدة من قبائل العرب من الشمال والشرق والى تخوم الخليج والعراق والشام، فوثق عبدالله العيوني الصلاة معهم ونخاهم واستثار حميتهم على مساعدته لازالة كيان القرامطة ودولتهم، وتنقية العقول والضمائر من سموم افكارهم الخبيثة التي زرعوها في قلوب اتباعهم، وحاولوا زرعها في حزيرة العرب.
فوجد عبدالله الاستجابة من رجال هذه القبائل والتأييد والمباركة من كل شيوخها وكبارها، وهي قبائل المنتفق وبني مالك وطي والاجود وخفاجة وبني حمدان.
وبعد ان باشر الاسباب للنصر المؤزر، جمع متطوعي هذه القبائل مع قبيلته الكبيرة بني عبدالقيس، وشن الغارات الشديدة على معاقل القرامطة في كل مراكز وجودهم وبعد سلسلة من المعارك الشديدة والغارات المتواصلة التي استمرت زهاء سبع سنين، استطاع في سنة 467 هـ / 1074 أن ينتزع الحكم من القرامطة ويزيل دولتهم إلى الأبد. ومن هذا التاريخ بدأت الدولة العربية العيونية التي أرجعت للعرب هيبتهم ومكانتهم على أرضهم، وطبقت شرع الله الحنيف معتمدة على القرآن الكريم والسنة المطهرة.
وأول حاكم لها هو الأمير عبدالله بن علي العيوني، الذي وصفه مؤرخو تلك الفترة بالشجاعة والجرأة والكرم وبأنه شديد العداء للقرامطة ودينهم الخبيث. ونختتم مقالنا هذا بأبيات رائعة من قصيدة عصماء راقية للأمير الشاعر جمال الدين أبوعبدالله علي بن المقرب العيوني (ت 629 هـ&S203;/ 1232م) يمدح فيها أهل بيته وعشيرته العيونيين (وله ديوان مطبوع في القاهرة سنة 1383هـ تحقيق عبدالفتاح الحلو).

يقول علي بن المقرب:

سل القرامط من شَظى جماجمهم
فلقاً وغادرهم بعد العلى خدما
من بعد ان جل بالبحرين شأنهم
وأجفوا الشام بالغارات والحرما
ولم تزل حيلهم تغشى سنابكها
أرض العراق وتغشى تارة أدما
وحرقوا عبد قيس في منازلها
وصيروا العز من ساداتها حمما
وأبطلوا الصلوات الخمس وانتهكوا
شهر الصيام ونصوا منهم صنما
وما بنوا مسجداً لله نعرفه
بل كلما أدركوه قائماً هدما
حتى حمينا على الإسلام وانتدبت
منا فوارس تجلو الكرب والظلما
وطالبتنا بنو الأعمام عادتنا
فلم تجد بكماً فينا ولا صما
وقلد الأمر منا ماجد نجد
يشفي ويكفي إذا ما حادث دهما
ماضي العزيمة محمود نقيبته
أعلى نزار إلى غاياتها همما
وصار يتبعه غر غطارفة
لو زاحمت سد ذي القرنين لانهدما
حتى يقول:
منا الذي أبطل الماشوش فانقطعت
آثاره وانمحى في الناس وانطمسا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق