تصميم ومتابعة وتطوير المدونة بواسطة :

تم عمل هذه المدونة بواسطة : أحمد السعيدي
http://aldhafaeri.blogspot.com/


كتب ومقالات

ارشيف السياسة 
جميع مقالات الاستاذ أحمد المنشورة بجريدة السياسة 

ارشيف السياسة

ارشيف الاستاذ احمد بن محارب الظفيري كامل في جريدة السياسة الكويتية 





==============================


مقالات نشرت في جريدة عالم اليوم


واجهت هجمات الفرس ومطامع الثعمانيين ومؤامرات الإنكليز

الظفيري: إمارة بني كعب.. عهد ميمون في تاريخ الأحواز

كتب أحمد بن محارب الظفيري

يشكل إقليم «الأحواز» العربي منطقة خصبة غنية بالنفط ويتخذ موقعا استراتيجيا قرب الخليج العربي، وقد عمدت إيران إلى تسميته «الأهواز» و«عربستان» لكن تسميته العربية ظلت قائمة مثل شعبه العربي.
الباحث في التاريخ والتراث أحمد بن محارب الظفيري يستعرض تاريخ هذا الإقليم الذي شهد أحداثا جساما خلال الحرب العالمية الأولى بموقعه المتوسط ما بين الدولة الصفوية والدولة العثمانية والوجود الإنكليزي في المنطقة، ويسلط الظفيري الضوء على الإمارات العربية التي قامت في الأحواز والقبائل التي حكمت ورجالاتها.
ويخصص الظفيري الكلام عن مشيخة الشيخ خزعل الكعبي الذي حكم في فترة ذهبية وحقق مكاسب كبيرة خلال استلامه حكم الأحواز، فيما يلي تنشر «عالم اليوم» حلقتين عن تاريخ إمارات الأحواز هذه أولاها.
الشيخ خزعل بن جابر بن مرداو بن علي ت1936، هو الأمير الخامس الذي يتسلم إمارة المحمرة من فخذ البوكاسب - أي بنو كاسب - من قبيلة بني كعب بن عامر بن صعصعة من قيس عيلان العدنانية. ولقد لعبت قبيلة بني كعب دورا متميزا في منطقة الأحواز - عربستان - في العصور المتأخرة وأنجبت أسرا حاكمة في هذه المنطقة توارثت الحكم وتركت لها بصمات واضحة في التاريخ والتراث.
قبيلة بني كعب في التاريخ العربي


ينتسب إلى قبيلة كعب العدنانية قبيلة عربية اسمها (بني عقيل) وهي قبيلة ذائعة الصيت في التاريخ العربي وإليها ينتسب (توبة بن الحمير) المقتول سنة 55 هـ صاحب ليلى الأخيلية والاثنان من بني عقيل ولقد ذكر القاضي عبدالرحمن بن محمد بن خلدون (ت 808 هـ/1405م) في كتابه (العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر) في الجزء الرابع ص 254 إلى ص 271 كلاما كثيرا عن قبيلة (بني عقيل) مختصر هذا الكلام هو ان قبيلة عقيل من ذرية كعب بن عامر بن صعصعة، وكانت لها إمارة في الكوفة والبلاد الفراتية، وبقيت هذه البلاد بأيديهم حتى غلبهم عليها السلجوقيون فتحولوا إلى البحرين.
ويذكر كذلك علي بن محمد بن الأثير (ت 630 هـ) في تاريخه الذي أسماه (الكامل في التاريخ) في الجزء التاسع ص 28 ما يلي: ان هناك إمارة لبني عقيل قامت في الموصل وما حو لها ودامت هذه الإمارة من سنة 380 إلى سنة 489 هـ ومؤسس هذه الإمارة هو ابن محمد بن المسيب العقيلي، ووصل حكمه إلى الكوفة وباديتها.
ومن (بني عقيل) الكعبيين قبيلة (خفاجة) الشهيرة وكانت تقطن بنواحي الكوفة وبرز وجودها في القرنين الرابع والخامس الهجريين وكون الخفاجيون إمارة في الكوفة سنة 374 هـ بزعامة أبوظريف عليان بن ثمال الخفاجي وكان يأتمر بأمر الخليفة العباسي. ومن أمراء خفاجة الذائعي الصيت إلى يومنا هذا حيث يتردد اسمه في الموروث الشعبي هو (عامر الخفاجي) الذي سحره جمال إحدى بنات قبيلة (بني هلال) عند مرورهم بديرته فسافر معهم إلى مصر وتونس وترك أسرته وديار قبيلته وإمارته في بادية السماوة والكوفة أما في وقتنا الحالي فإن أكثر أفراد قبيلة خفاجة العقيلية الكعبية يسكنون في العراق والأحواز (الأهواز) ومصر، ونخوتهم التي ينتخون بها في المعارك هي (أولاد عامر) أو (أولاد عامر الخفاجي) وخفاجة هو اسم امرأة أنجبت أولاد أكثر فتسمى أولادها باسمها حيث يقال لهم (أبناء أو أولاد خفاجة).
ومن القبائل العدنانية الشقيقة لقبيلة كعب، التي ترجع بأصولها أيضا إلى عامر بن صعصعة، ذكر أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي (ت 328 هـ) صاحب كتاب (العقد الفريد) في الجزء الثالث صفحة 354 قبيلة (بني هلال) الذين منهم ميمونة زوجة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - ومنهم أيضا الشاعر الشهير في كتب الأدب العربي حميد بن ثور، وبنو هلال هم أصحاب السيرة الشعبية والتغريبة التاريخية الشهيرة، الذين كونوا لهم عدة إمارات في تونس وشمال افريقيا. وذكر ابن عبد ربه الأندلسي من القبائل العامرية العدنانية قبيلة (بني كلاب) وقبيلة (بني نمير).

عربستان.. الموقع والاسم


تقع عربستان إلى الجنوب الشرقي من العراق وهي محصورة بين خطي العرض 30 و33 درجة شمالا. وبين خطي الطول 48 و51 درجة شرقا، وبهذا يكاد يكون امتدادا إقليمها من الشرق إلى الغرب مساويا تقريبا لامتداده من الشمال إلى الجنوب، حيث يبلغ طوله 420 كم وعرضه 380 كم. ومساحة عربستان 159600 كيلومتر مربع وعدد سكانها ثلاثة ملايين نسمة.
عربستان اسم أطلقه الفرس على هذا الإقليم ومعناه (بلاد العرب) مثلما يقولون كردستان ومعناه (بلاد الكرد). ولكن الفرس فيما بعد أطلقوا على عربستان اسم (خورستان) ومعنى هذه الكلمة بالفارسية القديمة (بلاد القلاع والحصون) وعرب الأحواز (عربستان) كانوا إلى عهد قريب من أهل السنة والجماعة ولكن في الفترات المتأخرة تشبع بعضهم بتأثير علماء الشيعة من الأعاجم، وهم قبائل عربية تنسجم عاداتها وتقاليدها مع قبائل جزيرة العرب، وليس عندهم كره وتنكر لتاريخ أجدادهم العرب الفاتحين.

إمارة المشعشعين


تأسست هذ الإمارة العربية سنة 1436م على يد المؤسس الأول السيد فلاح بن هبة الله المشعشعي وينتسب إلى آل البيت وفي عهده تم بناء مدينة (الحويزة) سنة 1441م واتخذها عاصمة لإمارته، وبسط نفوذه على إقليم عربستان، وحصل على الاعتراف الكامل من دولة الخروف الأسود المغولية الحاكمة في بغداد (دولة قره قوينلي) حكمت من 814 هـ/ 1469م وتوفي السيد فلاح بن هبة الله في عام 1458م وتولى الإمارة بعده ابنه محسن بن فلاح وقام بتدعيم العلاقات الديبلوماسية مع دولة المغول في بغداد المسماة دولة الخروف الأبيض (أق قوينلي: آق: ابيض - قوينلي - خروف) لأنهم يرسمون خروفا أبيض على أعلامهم، دام حكم الدولة الخروفية من 874 هـ/ 1469 م إلى 914 هـ/ 1508م.
وفي عام 1501م ظهرت الدولة الصفوية للوجود على يد الشاه إسماعيل الصفوي (ت 930 هـ/ 1523م). وطلب الشاه الصفوي عباس الأول (حكمه من 1032 هـ 1622م إلى 1037هـ/ 1627م) من الأمير المشعشعي السيد منصور بن عبدالمطلب بن بدران (حكم من عام 1634م إلى عام 1643) المساعدة ضد الدولة العثمانية، ولكن الأمير السيد منصور رفض طلب الشاه عباس الأول، وكان الأمير منصور يقاوم دائما محاولات الشاه عباس الأول الصفوي التدخل في شؤون إمارته الداخلية.
وبظهور الأمير الشريف مبارك بن عبدالمطلب بن بدران المشعشعي الحسيني الذي حكم من عام 1588م إلى عام 1616م عاشت الإمارة المشعشعية عصرا ذهبيا بفضل حسن سياسته وحنكته وشجاعته في الدفاع عن إمارته ضد الاعتداءات الصفوية الفارسية والعثمانية.

شعراء الفصيح والشعبي


اللافت للنظر ان هذه الإمارة المشعشعية فيها شعراء بالفصيح والشعبي يسيرون على نفس قواعد واغراض الشعر المستخدمة عند العرب القدماء، وفي اشعارهم اعتزازا بقيمهم وعاداتهم العربية ونفوذا من عادات وتقاليد الفرس، ومن امراء هذه الدولة يوجد العديد من الشعراء منهم الأمير منصور بن عبدالمطلب وناصر عبدالمطلب، والأميران بركات ومبارك ولهم اشعار عربية ويظهر من اشعارهم حبهم لجزيرة العرب وتراث العرب.

إمارة بني كعب في الفلاحية


إمارة بني كعب في مدينة الفلاحية بزعامة البوناصر وقد هاجرت قبيلة بني كعب إلى إقليم عربستان من وسط العراق في منتصف القرن السابع عشر الميلادي، واستوطن قسم من هذه القبيلة في الجزء الجنوبي الغربي من حوض نهر الكارون، وانتشر باقي أفراد القبيلة على ضفتي شط العرب شرقا وغربا. وشيدت قبيلة بني كعب مدينة (القبان) عاصمة لها ومقرا لإمارتها، وكان أول أمراء هذه الإمارة الكعبية هو الشيخ علي بن ناصر بن محمد، وهو من فخذ (البوناصر) - أي بنو ناصر - وتولى الحكم في عام 1690م ويعتبر هذا العام هو بداية تأسيس هذه الإمارة العربية الكعبية. وفي عام 1737م تولى زعامة بني كعب الشيخ سلمان بن سلطان البوناصر، واستفاد الشيخ سلمان بن ناصر من الفوضى التي عمت إيران بعد وفاة حاكمها نادر شاه (تسلم عرش فارس في سنة 1142 هـ /1730م بعد ان نحى سيده الصفوي طهماسب) فبدأ الشيخ سلمان بن سلطان توسيع نفوذ إمارته في جهة الشمال والشرق واصطدم بقبائل الأفشار واستطاع ان يتغلب عليهم ويحتل عاصمتهم (الدورق) التي أبدل اسمها إلى (الفلاحية) واتخذها عاصمة ثانية له إلى جانب عاصمته السابقة (القبان).

البو ناصر


بدأت إمارة المشعشعين بالزوال بعد حكم دام عدة قرون، وقامت على أنقاضها إمارة بني كعب بزعامة البوناصر. ولقد بلغت قوة الشيخ سلمان بن سلطان البوناصر درجة كبيرة، وتميزت شخصية هذا الأمير بالشجاعة والمهارة العسكرية والحنكة الديبلوماسية فهو رجل دولة ورجل حكم، لقد حاول باشا بغداد العثماني إخضاعه بالقوة العسكرية ولكنه عجز عن تحقيق ذلك وكذلك حاول كريم خان الزند حاكم فارس محاولات عدة للسيطرة على الشيخ سلمان ولكن كل محاولاته ذهبت أدراج الرياح. وحاول الإنكليز بأسطولهم البحري القوي كسر شوكة الشيخ سلمان وفرض مصالحهم عليه، ولكنه تمكن من دحرهم والانتصار عليهم بقوته البحرية وبرجال جيشه المخلصين له. وكان الشيخ سلمان يرسم الخطط السياسية الناجحة للاستفادة من المتناقضات والصراعات التي تدور وتحدث بين القوى العظمى (العثمانيون والفرس والإنكليز) المحيطة بإمارته، من دون أن يخضع أو يتبع لواحدة من هذه القوى المتصارعة. وتوفي الشيخ سلمان بن سلطان البوناصر سنة 1767م وكانت فترة حكمه من 1737م إلى 1767 تعتبر بحق الفترة الذهبية لقبيلة بني كعب، ويعتبر الشيخ سلمان من أعظم شيوخ إمارة بني كعب، لقد ازدهرت عربستان في زمانه ازدهارا لم تبلغ مثله من قبل وبعد وفاة الشيخ سلمان، بدأت الفرقة تدب بين شيوخ بطون قبيلة كعب فانقسموا إلى قسمين، قسم ظل في مدينة الفلاحية (الدورق) بزعامة البوناصر (الشيوخ الأوائل) وقسم كبير منهم سكن حول مصب نهر الكارون بزعامة الشيخ مرداو بن علي البوكاسب. وبدأت قوة بني كعب الموجودين في مدينة الفلاحية بالتلاشي والزوال، وظهرت قوة بني كعب الساكنين عند مصب نهر الكارون بالبروز وسيادة القبيلة تحت إمارة الشيخ البوكاسب - أي بني كاسب.

المحمرة بزعامة البوكاسب


مؤسس هذه الإمارة العربية الكعبية، التي برزت حول مصب نهر الكارون هو الشيخ مرداو بن علي البوكاسب، فهو المؤسس الأول الذي وطد أركان مشيخة البوكاسب وبعد وفاته تسلم الإمارة من بعده ابنه الأكبر الشيخ الحاج يوسف بن مرداو بن علي البوكاسب، فقام ببناء مدينة (المحمرة) في عام 1227 هـ/ 1812م عند مصب نهر كارون حيث مقر إمارته، وبرزت أهمية هذه المدينة دوليا بسبب موقعها الجغرافي المتميز، فازدهرت أحوالها وأصبحت من الموانئ المهمة. وتوفى الشيخ الحاج يوسف بن مرداو سنة 1829م بعد ان تحسنت أحوال إمارته الاقتصادية والتجارية، وتسلم الإمارة من بعده أخوه الشيخ الحاج جابر بن مرداو بن علي ودام حكمه من عام 1829م إلى عام 1881 ويعتبر عهده عهدا جديدا في تاريخ إمارة المحمرة حيث برزت الأهمية الدولية لميناء المحمرة الواقعة عند مصب نهر الكارون بشط العرب فهي متصلة بمياه الخليج العربي عن طريق شط العرب لأنها تقع على الضفة الشرقية لشط العرب جنوب البصرة. وامتاز الشيخ الحاج جبار بن مرداو بجرأته السياسية في معاملاته مع الإنجليز والعثمانيين والفرس واستطاع فرض هيبة إمارته على القوى المحيطة به، وتمكن أن يكسب ثقة رعاياه. وتوفي الشيخ الحاج جابر بن مرداو في سنة 1881م فتولى شؤون الإمارة ابنه الشيخ مزعل بن جابر بن مرداو ودام حكمه من عام 1881م إلى عام 1897م وتميز عهده باندفاع بريطانيا نحو التغلغل في إمارته والسعي إلى استثمار المناطق الغنية بالبترول والمعادن والحاصلات الزراعية الواقعة على جانبي حوض نهر الكارون وشط العرب. وقد أسست بريطانيا في عام 1890م قنصلية لها في المحمرة لرعاية مصالحها في المنطقة. ورغم فترة القلق والفوضى النسبية التي مر بها الشيخ مزعل بسبب الظروف المحيطة به فإنه استطاع توطيد حكمه وتوسيع إمارته والسيطرة على قبائلها. أما علاقاته الخارجية فكانت متينة مع شيوخ الكويت وكثيرا ما ترددوا عليه في مقره بالمحمرة، وكذلك كانت علاقاته متينة مع آل سعدون شيوخ عربان المنتفق، وبقيت علاقته بالدولة الفارسية رمزية اسمية لم يطرأ عليها اي تغيير عما كانت عليه زمن ابيه، لكن الشيخ مزعل لم يكن ميالا للانكليز فهو يبتعد عنهم كلما حاولوا التقرب إليه، لذلك لم يرتاحوا ويتنفسوا الصعداء الا بعد ان تم اغتياله في 1/6/1897م على يد اخيه الشيخ خزعل الذي جارى الانكليز ونفذ طلباتهم وتقرب اليهم وعاونهم في الحرب العالمية الاولى وحقق اهدافهم.
مدينة المحمرة سميت بهذا الاسم نسبة الى الطين الاحمر «الغرين» المترسب عند مصب نهر الكارون ويسمي الفرس هذه المدينة باسم (خرمشهر).

إمارة الشيخ خزعل الكعبي


تسلم الشيخ خزعل امارة المحمرة بعد قتله أخيه الشيخ مزعل بتاريخ 1/6/1897م والشيخ خزعل هو الشيخ الخامس من اسرة البوكاسب الكعبية الذي يعتلي كرسي امارة المحمرة، ودام حكمه من سنة 1897م الى سنة 1925م، ويعد الشيخ خزعل من الشخصيات العربية البارزة في تاريخ العرب الحديث جاء ذكره كثيرا في مذكرات القادة الانكليز الذين خدموا في العراق وايران والخليج، ولعب هذا الشيخ دورا رئيسيا في احداث الخليج العربي في الربع الاول من القرن العشرين وأسهم مساهمة فعالة في احداثه واحتل مكانة مرموقة بين امراء الجزيرة العربية وتأتي اهمية الشيخ خزعل بسبب الاحداث الجسام التي شهدتها امارته خلال فترة حكمه، انها احداث في غاية الاهمية فقد شهدت تفجر النفط من منابعه وآباره، وشهدت قيام الحرب العالمية الاولى التي هزت العالم وغيرت الخرائط والحدود، وكانت امارة الشيخ خزعل خلال هذه الحرب تتميز بموقع استراتيجي خطير استفادت منه بريطانيا في حربها مع تركيا، وشهدت فترة حكم الشيخ خزعل انهيار الحكم الملكي القاجاري في ايران وقيام الحكم الملكي البهلوي على انقاضه، وكان حكم الشيخ خزعل اثناء تلك الاحداث والمتغيرات الجسام يتسم بالاستقلالية ولقد كتب الشاه رضا بهلوي «مؤسس الحكم البهلوي» في مذكراته واصفا الشيخ خزعل بقوله «كان اميرا مستقلا داخل حدوده، وليس لحكومة طهران اي سلطان عليه، وقد مضت عليه اعوام دون ان يدفع اي ضريبة لفارس»، يتبع



-------------------------------------------------



جريدة السياسة - 6/6/2014


يرجع أصلها إلى فرس صغيرة سباقة حمت عباءة فارسها فأطلق عليها هذا الاسم

العبيات… خيول عربية أصيلة ملأت شهرتها الآفاق

بقلم – أحمد بن محارب الظفيري:
المعروف ان كل الخيول المسماة بـ “العبيات” والتي تتوزعها مرابط قبائل العربان, ترجع بأصلها الى فرس قديمة تسمى بـ “العبية” وهي فرس صغيرة سباقة جميلة المنظر, تناسل منها ومن ذريتها كل فرس تسمى بـ”عبية” وكل حصان يسمى بـ”عبيان” واستمرت الصفات الوراثية الموجودة في الجدة الاعلى تنتقل من جيل الى جيل في كل اجيال العبيات اللاحقة.
لماذا سميت بـ “العبية”?
يقال ان الجدة الاقدم لهذا النوع من الخيول سميت بـ”العبية” نسبة الى عباءة فارسها, فعندما كانت الفرس منطلقة بسرعة كبيرة, نزعت الريح عباءة فارسها من على ظهره ودفعتها الى مؤخرة الفرس, فأحست الفرس بسقوط العباءة على جسمها فرفعت ذيلها وتلقفت العباءة وحافظت عليها من السقوط على الارض, واستمرت رافعة ذيلها على طول الغارة, وبذلك جعلت ذيلها كالمشجب المرفوع الذي يتعلقت فيه العباءة, ولما زال الخطر وانتهت الغارة اخذ الفارس عباءته من على ذيل فرسه ولبسها.
وتذكر بعض المصادر العربية ان اسم صاحب هذه الفرس التي سقطت عباءته من على ظهره هو “شراك” فسميت فرسه التي حافظت على عباءته من السقوط باسم “عبية شراك” او “عبية الشراك” ومن فرس عبية الشراك تناسلت “الخيول العبيات” التي تتوزع مرابطها بين قبائل العربان في البوادي والحواضر.
ومن ذرية الرجل المسمى شراك يوجد عرب يقال لهم “عرب الشراك” ينتسبون الى قبيلة بني خالد وهم مشهورون بمربط خيول عبيات الشراك.
من طرائف الجربوع: هذا الحيوان من الوجبات الخفيفة واللذيذة التي يأكلها البدوي, ويتميز هذا الحيوان بطول رجليه وقصر يديه – شبيه كالكنغر – يقول الجربوع: “لو ايدي طول رجلي ما تلحقني كل عبية”.
ينطق العرب الحاليون امس هذا الحيوان بالجيم “جربوع”, ولكن الاصح ما ذكرته المعاجم والمراجع العربية القديمة حيث كتبت اسمه بالياء “يربوع”.
أهم مرابط الخيول العبيات:
1 – مربط عبية الشراك: وتوجد عند عرب الشراك من قبيلة بني خالد, ومربطهم من أهم مرابط العبيات فهو مربط شائع الذكر عند كل عربان جزيرة العرب, ويقال ان جدهم شراك الخالدي هو صاحب العباءة وفرسه هي العبية الأم لكل الخيول العبيات.
2 – مربط عبية بني صخر: قبيلة بني صخر من قبائل شمال جزيرة العرب الشهيرة ولها ثقلها ومكانتها المهمة في المملكة الاردنية الهاشمية. وقبل قرنين من الزمان انتشرت مرابط الخيول العبيات عند أسر كثيرة من هذه القبيلة لذلك لا غرابة عندما نجد اسم الفرس العبية يتردد كثيرا في غناء وقصيد افراد هذه القبيلة, فذكر هذه الفرس شائع في الموروث الشعبي لهذه القبيلة العربية الكريمة.
3 – مربط عبية ابن موينع: ابن موينع من شيوخ عشيرة السبعة من قبيلة عنزة درجت الفرس العبية عليه من قبيلة بني صخر.
4 – مربط عبية ابن نحيت: ابن نحيت من شيوخ قبيلة حرب, درجت الفرس العبية الى ميرك بن نحيت احد شيوخ حرب حيث اخذها قلاعه من صاحبها السبيعي العنزي الذي هو من أسرة الموينع اصحاب المربط الثالث, ومعنى “قلاعه” أي قلع فارسها من على ظهرها قتلا أو اصابه وأخذ فرسه منه.
5 – مربط عبية قرفان البريعصي: قرفان من البراعصة من قبيلة مطير درجت له الفرس من خيل ميرك بن نحيت الحربي.
6 – مربط عبية ابن جبيع: وأسرة ابن جبيع من علوا من قبيلة مطير. وكان الموجود من هذه الاسرة على زمن بعثة عباس باشا عبدالله بن جبيع الذي افاد البعثة قائلا: ان اصل مربطهم هي مهرة عبية صفراء – أي بيضاء – اشتراها سياف بن جبيع من ابن قرفان البريعصي المطيري.
7 – مربط عبية عبدالله بن نمر الدهمشي العنزي: مربط عبيات بن نمر من المرابط المشهورة عند الدهامشة من عنزة. درجت عليه الفرس العبية أم مربط خيله من ابن جبيع المطيري.
8 – مربط عبية عساف بن الهارب التويمي الشمري: وهو من المرابط المشهورة عند التومان من شمر. وأساس المربط فرس عبية درجت من مربط ابن نمر الدهمشي العنزي الى عساف بن الهارب التويمي الشمري.
9 – مربط عبية ضيف الله الذايدي العنزي: وهو من المرابط المشهورة عند الذوايدة من العلي من عنزة. درجت الفرس العبية الام الى ضيف الله الذايدي العنزي من مربط ابن الهارب التويمي الشمري.
10 – مربط عبية مريزيق ابن دبلان العازمي: ومربط ابن دبلان من مرابط خيل العبيات المشهورة عند قبيلة العوازم والفرس العبية أم المربط اشتراها مريزيق ابن دبلان من الشراك الخالدي وهي مهرة حمراء طريح “حديثة الولادة” بتسع من الإبل, وتباركت عند ابن دبلان ومن نتاجها تأسس هذا المربط المهم عند العوازم. ولقد قابلت بعثة عباس باشا ناجي بن رشيد بن مريزيق بن دبلان العازمي وهو رجل طاعن في السن قابلته بحضور حزام الصيفي شيخ الحبيش من العجمان وأفاد البعثة قائلا إن جده مريزيق بن دبلان العازمي اشترى العبية ام مربطهم من الشراك من بني خالد وهي انذاك طريح حمراء بتسع من الإبل.
11 – مربط عبية آل زبدان من الصقور من قبيلة عنزة: بخصوص عبية ابن زبدان الصقري العنزي, توجهت بعثة حاكم مصر عباس باشا (قتل 1854م) بن طوسون باشا (ت1815م) بن محمد علي باشا (ت1849م) اثناء تجوالها في جزيرة العرب الى ديرة الصقور وقابلت هناك الشخص المدعو نقاذ بن زبدان من الجلال من الصقور من عنزة وقدم لبعثة عباس باشا المعلومات التالية: الفرس العبية ام مربط خيل ال زبدان درجت عليهم قلاعة من خيل ابو ناجي رشيد بن دبلان العازمي.
12 – مربط عبية آل قويد شيوخ قبيلة الدواسر: عندما قابلت بعثة عباس باشا معدي بن قويد شيخ الدواسر افاد بأن العبية ام مربط عبيات ال قويد جاءتهم من ابن زبدان الصقري العنزي يوم مناخهم (حربهم) مع الصقور.
13 – مربط عبية هذال ابن بصيص من شيوخ قبيلة مطير: اصل مربط خيل ابن بصيص يرجع الى فرس عبية اسمها “العجية” قلعها الشيخ هذال بن بصيص من تحت شيخ الدواسر مجدل بن قويد. وكذلك ترجع اصول عبيات اسرة ال بصيص الى فرسين عبيتين قلعهما الفارس جزلان بن بصيص من خيل ابن علوان الحربي. ولقد قابلت بعثة عباس باشا هذال بن بصيص شيخ الصعران من مطير وقابلت كذلك علي بن علوان من قبيلة حرب وافادا البعثة بمعلومات قيمة عن اصل عبياتهما.
14 – مربط عبية ابن علوان الحربي: كما قلنا سابقا ان عباس باشا (قتل 1854م) حاكم مصر ارسل بعثة متخصصة بالخيل الى جزيرة العرب لتقصي عن اصول الخيل العربية الاصيلة الموجودة عند العربان. وقابل رجال هذه البعثة علي ابن علوان من فخذ الفردة من قبيلة حرب وسألته عن اصل عبيات ابن علوان? فأفاد البعثة قائلا ان اصل عبياتهم يرجع الى فرس عبية قلعها ابن عمه ناصر بن ركب الحربي من فخذ العلي من عنزة وذلك اثناء اغارتهم بزعامة حمدان بن مخلف من العلي من عنزة على الفردة من حرب.
15 – مربط عبية ابن هرماس الجعفري الشمري: ومربط خيول عبيات اسرة الهرماس من المرابط القديمة والشهيرة عند عشيرة ال جعفر من قبيلة شمر والام التي تناست منها هذه الخيول هي فرس عبية شراكية اي اصلها من مربط عبيات الشراك الخالدي.
16 – مربط عبية عبيد بن رشيد: صاحب المربط هو الفارس الشهير والبطل الاسطوري لقبيلة شمر واسمه الكامل هو عبيد بن علي بن رشيد الجعفري العبدي الشمري الطائي قالت عنه الرحالة البريطانية الاميرة آن بلنت “إن عبيد هو البطل الرئيسي في تراث قبيلة شمر, وانه يتميز بالكرم والمروءة والشهامة وهي الفضائل الرئيسية في معتقد العرب”.
توفي الشيخ عبيد بن علي بن رشيد في سنة 1288 هـ /1871م وهو القائل هذا البيت الشعبي الذائع الصيت عند قبائل العربان يمدح نفسه وهو يستاهل المديح.. يقول هذا البيت من قصيدة طويلة:
انا ولد علي سلايل كحيلان
ربي خلقني للسبايا وداعة
كحيلان: حصان عربي اصيل من ذرية الفرس الكحيلة.
السبايا: جمع سبية والسبية من أسماء الخيل العربية الأصيلة, والكلمة عربية فصحى.
بقي أن تعرف عزيزي القارئ أن بعثة عباس باشا قابلت الأمير الثاني في الامارة الرشيدية طلال بن عبدالله بن علي بن رشيد (انتحر 1281ه/ 1865م) وقابلت كذلك عمه الشيخ عبيد بن علي بن رشيد فأفادا البعثة قائلين: إن أصل العبية الأم لمربط عبيد بن رشيد هي من مربط خيل عبيات ابن هرماس الجعفري الشمري وعبيات ابن هرماس أصلها من عبيات الشراك الخالدي.
17- مربط عبيات عرب الخضير من قبيلة بني صخر: تسمى الفرس الواحدة من هذا المربط باسم “عبية الخضير” ومربط الخضير من المرابط المهمة والشهيرة جدا عند قبيلة بني صخر وهي من القبائل العربية الكبيرة في بادية شرق الأردن وأنجبت رجالا بارزين ومتميزين في السياسة والجيش شاركوا في حكم المملكة الأردنية الهاشمية منذ بداية تأسيسها على يد الملك عبدالله بن الحسين بن علي (قتل 1951م) والى حد هذا اليوم ونسبت هذه الخيول العبيات الى اسم صاحب المربط القديم وهو رجل اسمه “خضير” وهذا الرجل هو الجد الأعلى الذي تحدرت منه عشيرة الخضير الصخرية وهو من المرابط القديمة الموجودة عند بني صخر عندما كانت تقطن مدائن صالح والعلا في شمال الحجاز, قبل ان تهاجر الى شرق الأردن.
من تاريخ عبيات خضير أيام زمان:
يقول الدكتور أحمد عويدي العبادي صاحب كتاب “العشائر الأردنية” الجزء الأول الطبعة الأولى 1408ه/ 1988م في الصفحة 43: ولعشيرة خضير شهرة واسعة في مجال الخيول العربية الأصيلة, حيث يقال لخيولهم: “عبيات خضير” وترى خضير أن مربط هذه الخيول قد جاء معهم من الجزيرة العربية منذ مئات السنين, وكانت العبية اذا ما ولدت ذبحوا جزورا فداء لها, وذلك أشبه ما يكون بعقيقة الطفل الذي تذبح له بعد ولادته, وهذا يدل على مدى اهتمامهم بالخيل وتقديرهم لها وتعظيمهم لشأنها.
18- مربط عبية البريكي من الظفير: البريكي من شيوخ عشيرة المعاليم من قبيلة الظفير, وذكر اسم عقيل البريكي في كتاب “أصول الخيل”.
ذكرت “عبية البريكي” في الصفحة 193 و 194 من كتاب “أصول الخيل” الذي تم تأليفه في سنة 1269هـ/ 1852م من قبل بعثة عباس باشا “حاكم مصر الثالث من أسرة محمد علي باشا”, وجاء ذكر عبية البريكي في سياق كلام شيخ البحرين محمد بن خليفة عندما تكلم للبعثة المذكورة عن “عبية جريو شيخ قبيلة المناصير”, حيث جاء في كلامه أن أصل عبيات جريو شيخ المناصير يتحدر من عبية البريكي من المعاليم وعبية البريكي المعلومي درجت عليه من قبيلة سبيع حيافة.
و”الحيافة” في كلام البدو هي نوع من السرقة, ويسمى من يقوم بها حايفا أي سارقا سمي بـ “الحايف” لأنه يتحوف مضارب العربان من الطوارف “الحفات” ويتحين الفرصة المناسبة ليسرق ما يستطيع سرقته من خيل العرب أو إبلهم. وفي الصفحة 168 و 169 أفاد شيخ الظفير سلطان بن صويط أن عبية عقيل البريكي درجت إليه من فارس الجرباء شيخ قبيلة شمر.
19- مربط عبيات دويرج: دويرج رجل من الموايقه من العبده من السبعة من قبيلة عنزة, اشتهر دويرج عند العربان بمربط خيله العبيات فيقال: عبية “دويرجية” للدلالة على اصالة الفرس, وهذا المربط من اهم مرابط الخيول العبيات عند عشيرة السبعة العنزية, واصل عبيات دويرج من عبيات الشراك الخالدي, والعبيات الشراكية انبل واسمى العبيات لانها الاصل النقي للعبيات.
20- مربط عبيات الدسم المطيري: قابلت بعثة عباس باشا علي الدسم المطيري وسألته عن اصل “عبية الدسم” فأفاد بانها “عبية شراكية” درجت الى اجداده المطران- نسبة الى قبيلة مطير- من مربط عبيات دويرج وهو المربط المعروف عند فخذ الموايقة من عشيرة السبعة من قبيلة عنزة, ومربط اسرة الدسم من مرابط العبيات المهمة عند قبيلة مطير.
21- مربط عبية الجريس: وهذا المربط عند اسرة “الجريس” من المسكة من السبعة من عنزة, وبعض المراجع تسمي هذه الفرس عبية “ابن جريس” او عبية “ام جريس” وهذه التسمية الثانية خطأ- او عبية “الجريس” نسبة الى اسرة الجريس, والعبية الجريسية اصيلة وترجع بنسبها الى العبية الشراكية.
22- مربط عبية الديدب: اسرة الديدب من اسر المشيخات الكريمة المعروفة عند السويلمات من عنزة وذكر في كتاب “اصول الخيل” المؤلف من قبل بعثة عباس باشا اسم صاحب المربط وهو جريد الديدب.
23- مربط عبيات فرحان باشا بن صفوق بن فارس الجرباء شيخ قبيلة شمر في العهد العثماني: يعتبر مربط الخيول العبيات التي يملكها الشيخ فرحان باشا الجرباء من اهم مرابط الخيول في الجزيرة الفراتية ولقد ذكر هذا المربط الكثير من المستشرقين والرحالين الذين زاروا مضارب الشيخ فرحان باشا.
ولقد منحت الدولة العثمانية الشيخ فرحان بن صفوق الجرباء رتبة “باشا” فعلية وخصصت له راتباً سنوياً مقداره ثلاثة الاف جنيه من الذهب وكان عونا للدولة العثمانية في حروبها مع الفرس والاكراد, تسلم الشيخ فرحان باشا مشيخة قبيلته شمر بفرمان همايوني صادر من السلطان العثماني اعتبارا من 1842 م الى وفاته في سنة 1848م.
24- مربط عبيات حتروش شيخ الاساعدة من قبيلة عتيبة: قابلت بعثة حاكم مصر عباس باشا الشيخ عبيد بن رشيد “1288 هـ/ 1871 م” والشيخ طلال بن رمال وعبدالعزيز الشويعر واخاه صالح الشويعر جميع هؤلاء المذكورين قابلتهم البعثة في مجلس شيوخ حايل ال رشيد, وصرح الجميع للبعثة ان ابن حتروش هو الذي يملك المربط الاساسي للعبية الشراكية المسماة “عبية شرايد امه” واشتهرت من ذرية هذه العبية الشراكية عبية ابن حتروش الاخرى المسماة “عبية ام التوادي” فهي من نسل “عبية شرايد امه”.
وقد درجت فرس ابن حتروش إلى عرب السردية ثم إلى اللميلمي من عرب ولد علي أهل الشمال الذين شيخهم محمد الدوخي ابن شمير وهم من المنابهة من قبيلة عنزة. ثم درجت إلى ابن غشم من الرولة من قبيلة عنزة ومن ابن غشم درجت إلى رجل رويلي يلقب بـ”شرايد أمه”, وقال عُبيد بن رشيد للبعثة الكلام الآتي: حضرت عند الرمام فيصل بن تركي آل سعود وعنده نايف بن شعلان وصحن بن شعلان (الاثنان من شيوخ الرولة), فسأل الإمام فيصل نايفاً: هل نشبي حصان العبية من خيل شرايد أمه, إذ جاءنا منها حصان? فقال نايف: أشهد بالله انها عبية شراكية, وتشبى في الليل المظلم.
وجاء في كتاب “اصول الخيل” لبعثة عباس باشا: ان قبيلة الفضول بزعامة شيخها الفارس ابن صلال تحاربت مع قبيلة الاساعدة بزعامة شيخها الفارس ابن حتروش, وتمكن ابن حتروش وهو يعتلي صهوة فرسه العبية ام التوادي من قتل ابن صلال, في موضع يعرف الان بـ “ثنية ابن صلال” وقبره موجود في هذا الموضع في ديرة شمر “قرب حايل” وكما قلنا: “عبية ام توادي” من ذرية “عبية شرايد امه”.
وذكروا ان الشيخ فواز بن رمال وهو من شيوخ سنجارة من قبيلة شمر نزل مجاورا للشيخ ابن حتروش شيخ الاساعدة من قبيلة عتيبة, وكان منزله في عروق رمال النفود القريب من بلدة بقعاء – وبلدة بقعاء تبعد عن مدينة حايل تسعين كيلومترا وتقع في جهة الشمال الشرقي من مدينة حايل – وكان من عادة فواز بن رمال الحضور صباحا الى ربعة (مضيف) ابن حتروش لشرب القهوة. وفي صباح احد الايام لم يحضر كعادته فارسل ابن حتروش الى جاره فواز بن رمال مستفسرا منه عن سبب عدم حضوره الى الديوان صباحا, فعلم أن السبب الذي منعه من الحضور هو سرقة فرسه المسماة “الشهيلة” حيث سرقت في اول الليل, ولما عاتبه على عدم اخباره في وقت السرقة نفسه, لكي يطلبها اجاب فواز: السبب الذي جعلني لم اخبرك في حينها هو انني لا اظن ان عندكم فرسا تلحق الشهيلة, فامر ابن حتروش ابنه ان يركب فرسه العبية الصغيرة “ام التوادي الصغيرة” ويسير في اثر الفرس المسروقة فركب في الضحى وعند العصر حضر الولد على فرسه ام التوادي الصغيرة ولكن الشهيلة ليست معه. فقال فواز ابن رمال لابن حتروش: ألم اقل لك إن الشهيلة ما تلحق, ولما حضر الولد سأله ابوه عن الشهيلة المسروقة فقال: لقد تعبت من الجري وربطتها في المكان الفلاني ورأس السارق, يسميه البدو بـ “الحايف” لانه يتحوف العرب من حافاتهم ليسرقهم, معلق في رقبتها فادركوها بماء, فذهبوا اليها واتوا بها, ولايزال الموضع لحد هذا اليوم يعرف باسم “مربط الفرس” عند عربان القبائل, وقال فواز بن رمال قصيدة معروفة ذائعة الصيت يمدح فيها جاره ابن حتروش منها هذا البيت:
ان كان بالجيران جار مدلل
فجار ابن حتروش ربى بدلال
“شرايد امه”: لقب لرجل من عشيرة الرولة من قبيلة عنزة درجت له هذه الفرس العبية الشراكية الاصيلة, وتكاثرت ذريتها عنده, فسميت كل فرس من عبيات مربطة بـ “عبية شرايد امه” ومعنى: “شرايد امه” اي بقايا امه اي ليس لأمه من الاولاد والاخوان غيره فهو شرايد كل الذرية المنسوبة لهذه الام وشرايد جمع شريدة ومعناها بكلام البدو “البقية” بقول البدوي: “ماتت غنمي والشريدة او والشرايد عشرين راسا” اي البقية عشرين رأسا من الغنم.
25 – مربط عبيات بنية السحباني الخالدي: الرجل صاحب المربط اسمه بنية مصغر “بنت”, وينتسب الى فرع “السحبان” وهو من اهم فروع قبيلة بني خالد.
وعبيات هذا المربط كلها عبيات شراكية. ومازال لحد هذا اليوم يتردد في دواوين قبيلة بني خالد قصص معارك السحبان وخيولهم الاصيلة فهي من الموروث الشعبي الخالد لهذه القبيلة الذائعة الصيت.
26 – مربط عبية حمد الشريفي: جاء في كتاب “اصول الخيل” ان فيصل الشعلان (ت 1860م) سأل حمد الشريفي عن اصل فرسه المسماة “عبية الشريفي” فاجاب حمدان: اصل (شياعة) فرسي يعود للشراك الخالدي, ومن الشراك درجت الى بنيه السحباني الخالدي, ومن بنية درجت الى مربطي.
“المربط أو الرسن أو الشياعة أو الأخية” كل كلمة من هذه الكلمات تعني الأصل. نقول: مربط الفرس أو رسن الفرس أو شياعة الفرس أو خية الفرس تعود للعرب الفلانيين أي أصل الفرس يعود لهؤلاء العرب.
والحديث عن الخيول العبيات طويل ونكمل في المقالات المقبلة.
27 – مربط عبيات الشريف محمد بن عون “شريف مكة الشهير”: يملك هذا الشريف مرابط عدة لمختلف الخيول كالحمدانيات والصقلاويات والهدب والعبيات والكحيلات.
وكانت تهدى له اصائل الخيول من شيوخ وحكام ذلك الزمان كآل سعود وآل سعدون وآل رشيد وآل خليفة وآل صباح وحكام اليمن ومسقط والخليج العربي ومن شيوخ قبائل جزيرة العرب, واليكم قصة فرسا عبية تعتبر من اكرم وانجب امهات العبيات في مرابط خيول الشريف.. انها الفرس الصفراء “والمقصود بالصفراء اي البيضاء لان العرب منذ الجاهلية الى اليوم تسمي الفرس البيضاء اللون بالصفراء” المهداة من امير حايل عبد الله بن علي بن رشيد “ت 1263 هـ- 1847م” الى الشريف محمد بن عون.
جاء في كتاب “اصول الخيل” الصفحة 193 و194: قال عبيد بن علي بن رشيد “ت 1288 هـ- 1871 م” ان اصل مدراجها على اخيه الامير عبد الله بن علي بن رشيد كان في السنة التي تحارب فيها مع عشيرة “الصقور” من قبيلة “عنزة” عندما كانوا الصقور آنذاك يقطنون في ديرة “المنتفق” فبعد انتصار عبد الله الرشيد عليهم طلب منهم خيلا فجاءته الفرس الصفراء العبية من سالم بن مرزوق الكاسب الصقري العنزي من ضمن الخيل المطلوبة من عشيرة الصقور “من عادة العرب منذ الجاهلية الى اليوم عدم كتمان اصل خيلهم اطلاقاً حتى عن اعدائهم الذين يأخذونها منهم في المعارك.
ويقول صاحب هذه الفرس سالم بن مرزوق الكاسب الصقري: إن هذه الفرس درجت “انتقلت” اليه قلاعه اي قلع فارسها من على ظهرها قتلا او اصابة من رجل من عشيرة “الجبلان” من قبيلة “مطير” انتهت رواية عبيد الرشيد لبعثة عباس باشا.
ويؤكد عيادة بن رخيص من شيوخ الزميل من سنجاره من قبيلة شمر لبعثة عباس باشا حاكم مصر: ان هذه العبية الصفراء هي ذاتها التي اهداها الامير عبد الله الرشيد للشريف محمد بن عون عندما جاء الشريف الى نجد غازيا لبعض القبائل, ويقول عيادة بن رخيص: إن اصل هذه الفرس لسالم بن مرزوق الكاسب الصقري العنزي وهو قلعها من “الجبلان” من “مطير” و”مطير” لا يعرفونها ولم يشبوا خيلها, ذكرنا بتصرف ما قاله عيادة بن رخيص للبعثة العثمانية المصرية المكلفة من قبل حاكم مصر عباس باشا والشيخ عيادة بن رخيص من اقرب المقربين لعباس باشا وكان يتردد عليه كثيرا في مصر ويرجع منه محملا بالهدايا والاموال.
معلومات عن الشريف محمد بن عون: الاسم الصحيح لهذا الشريف هو “محمد بن عبد المعين بن عون” لكنه اشتهر عند عربان البوادي والحواضر وعند بعض مؤرخي ذلك الزمان من عرب وعثمانيين باسم “الشريف محمد بن عون” جريا على عادة العرب قديما وحديثا حيث ينسبون الرجل الى جده الاعلى المشهور ويتركون اباه, وهذا الامر جائز فمثلا يقولون الملك عبد العزيز بن سعود وهم يقصدون الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود.
والشريف محمد بن عبد المعين بن عون هو اهم شخصية في اسرة “الاشراف ذوي عون” ويعتبر المؤسس الاول لامارة الاشراف “ذوي عون” في مكة والحجاز وهو الجد الاعلى للاسرة الهاشمية التي حكمت الحجاز وسورية والعراق وحاليا تحكم الاردن.
ويذكر الموروث الشعبي لعرب الجزيرة عن هذا الشريف الامير ولعه وحبه للخيول العربية الاصيلة وكان عارفاً وخبيراً بأنسابها ومرابطها عند العربان فتهافت عليه رجال القبائل العربية من كل بوادي العرب جالبين اليه اصائل الخيول العربية, وكان يدفع لهم مبالغ خيالية وكان شاعراً مجيداً ما زالت اشعاره تتردد حتى اليوم على ألسنة عربان البوادي, وتحفل بقصائده الرائعة كتب الشعر العربي, ويحوي الموروث الشعبي لقبائل العربان في جزيرة العرب وقعات مشهودة وغزوات معروفة ما زالت ذكرياتها تتردد في سوالف الدواوين واحاديث السمر.
بقي الشريف محمد بن عبد المعين بن عون اميراً لمكة المكرمة مدة 25 سنة وتوفي في شعبان 1274 هـ- مارس 1858 م وكان عمره سبعين سنة.
* باحث في التاريخ والتراث
aaldhafiri@yahoo.com
- See more at: http://al-seyassah.com/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a8%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%ae%d9%8a%d9%88%d9%84-%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d8%a3%d8%b5%d9%8a%d9%84%d8%a9-%d9%85%d9%84%d8%a3%d8%aa-%d8%b4%d9%87%d8%b1%d8%aa%d9%87%d8%a7/#sthash.iuFkOKma.dpuf


--------------------------------------------------------------

جريدة السياسة الكويتية - 10/5/2014


شخصية قيادية فذة... عالي الهمة واثق من نفسه صامد في الملمات

طالب باشا النقيب…المجاهد لإحياء مجد العرب

جانب من بغداد اوائل القرن الماضي
جانب من بغداد اوائل القرن الماضي
حاول اللواء فريد بيك قائد البصرة اغتيال طالب باشا لكنه تغدى به قبل أن يتعشى به
بقلم: أحمد بن محارب الظفيري*
طالب باشا النقيب المولود سنة 1862م وهو الارجح وقيل سنة 1871م هو احد رجالات العرب المتميزين الذين لمعت اسماؤهم في اواخر العهد العثماني (اواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين الميلادي« وهو من ابناء اسرة النقيب الرفاعية الشهيرة, تولت اسرته الكريمة نقابة الاشراف في البصرة, ويرجع اصل اسرته الى السيد الكبير احمد الرفاعي الذائع الصيت الذي تنتشر ذريته في معظم البلاد العربية والاسلامية. وتنسب الى السيد احمد الرفاعي ـ رحمة الله عليه ـ الكثير من الطرق الصوفية, والسيد احمد الرفاعي الجد الاعلى لاسرة النقيب هو من سلالة الحسين بن علي بن ابي طالب ـ رضي الله عنهما ـ والى هذه الاسرة ينتسب شيخ الاسلام الكبير محمد ابوالهدى الصيادي الرفاعي (ت1327هـ/1909م) المقيم في اسطنبول والمقرب جدا من قبل السلطان العثماني عبدالحميد الثاني, وهو المسؤول والمستشار للسلطان في كل ما يخص امور المسلمين الدينية.
وعن السيد طالب باشا النقيب يقول احد ضباط الحملة البريطانية التي احتلت العراق, وهو الضابط البريطاني ستيفن همسلي لونكريك stephen hemesley longrigg في كتابه المسمى (تاريخ العراق الحديث): السيد طالب باشا النقيب, الابن الاصغر لعائلة النقيب الشهيرة, رجل قدير, ظريف, وجسور ورجل دولة طموح, وقد فرض هيمنته على البصرة. وكان عند مطلع القرن العشرين معروفا معرفة جيدة في اسطنبول بانه رجل صاحب وعد او خطر اكبر وعلى استعداد لاختيار اية مزاعم تسند ارتقاءه لكي يتولى امارة مستقلة في جنوب العراق.
ويذكر الضابط البريطاني ستيفن: ان من بين العوائل البارزة في البصرة اضافة الى عائلة النقيب, عوائل (آل باشا اعيان) و(المنديل) و(الصانع), وكل هذه العوائل الكريمة المنجبة لعبت دورا مهما ومتميزا في الحكم والسياسة في العهد العثماني والعهد الملكي.
من يقرأ عن تاريخ السيد طالب باشا النقيب في الوثائق العثمانية الموجودة في ارشيف رئاسة مجلس الوزراء التركي وفي مركز الوثائق البريطانية في لندن وغيرها من المراكز سيتأكد له ان هذا الرجل شخصية عربية فذة قلما ان يجود الزمان بمثلها, فهو عالي الهمة, واثق من نفسه, شجاع لا يخاف غير ربه, تردد اسمه في كل ديار العرب في بيروت ودمشق والقاهرة والكويت والرياض. اجتمع مع رجالات العرب في حواضر البلدان ومع شيوخ القبائل العربية في صحاريهم ومع قناصل الدول العظمى في ذلك الزمان, وهدفه وغايته من كل هذه التحركات والاتصالات التي يقوم بها احياء مجد العرب ليحكموا انفسهم بأنفسهم بعد زوال حكم الدولة العثمانية التي اطلق عليها الغربيون في تلك الفترة اسم (الرجل المريض) الذي يحتمل موته قريبا بسبب استشراء الداء في كل اجزاء جسمه.
من هو السيد طالب باشا النقيب?
- هو طالب بن رجب “نقيب اشراف البصرة” بن محمد سعيد “نقيب اشراف البصرة” بن طالب بن درويش بن طالب الرفاعي يتصل نسبه الاعلى بجد الرفاعية السيد الكبير احمد الرفاعي الحسيني الهاشمي.
جد السيد طالب من سيوف الدولة العثمانية: في سنة 1288 هـ1871/م وبتكليف من السلطان العثماني تمكن نقيب اشراف البصرة السيد محمد سعيد “جد طالب باشا” من القضاء على المتمردين ضد الدولة فكافأه السلطان العثماني على هذا النصر بان منحه وساما سلطانيا راقيا, فانبرى شاعر العراق الكبير عبدالغفار الاخرس “ت 1291 هـ1874/م” مادحا وممجدا النقيب محمد سعيد بهذه الابيات الراقية المقتطفة من قصيدة طويلة:
هو السيد الذي يشقى العدو به
من ذا يعاديه في الدنيا ولم يخب
لما دعاه ولي الامر منتدبا
اجابه واراه خير منتدب
لقد كفى العسكر المنصور نائبه
تجثو لها نوب الدنيا على الركب
وقومت كل معوج صوارمه
وسكنت منذ وافى كل مضطرب
ليهنك النصر والفتح المبين وما
بلغت من جانب السلطان من ارب
لئن حباك بنيشان تسر به
فانه بك من بين الرجال حبي
من نفوذه وكرمه: في اواخر القرن الماضي “اواخر العهد العثماني” شاعت في العراق الجنوبي هوسة شعبية كانت تتردد على افواه الناس وخصوصا الفلاحين والمزارعين منهم على وجه الخصوص, وهي تبين قوة نفوذ وسلطة طالب باشا النقيب, وتمكنه من الاستحواذ على الاراضي الزراعية وتسجيلها باسمه وباسم أقاربه, وهذه الاموال الكثيرة التي يحصل عليها السيد طالب باشا النقيب من الاراضي الزراعية التي يمتلكها يحولها الى اكراميات واعطيات للناس المهمين من شيوخ عشائر وغيرهم. وكان يعطي بسخاء لكل من يلتجئ اليه طالبا العون وشاكيا الفقر والعوز, ومنها كان يصرف على مضيفه “ديوانه” الكبير الذي يأكل منه الجميع طوال السنة, وبواسطة هذه الاموال استطاع تشكيل جيش خاص لنفسه يستخدمه في مقارعة الخطوب وارهاب الاعداء الذين يتربصون به من كل جانب.
دور السيد طالب باشا في العهد العثماني:
- كان السيد طالب باشا النقيب وهو في حدود الخمس والعشرين من عمره قد اصبح موضوع ثقة السلطان العثماني, فخلال حرب الدولة العثمانية مع البلغار تبرع لها بالكثير من ماله فانعم عليه السلطان العثماني برتبة ميرميران “درجة باشوية عالية” في سنة 1895م. وفي سنة 1902م عينته الدولة واليا على الاحساء بدلا من موسى كاظم باشا الحسيني فتمكن من قمع حركات القبائل العربية وتسوية خلافاتها وفرض الامن هناك, وبقي واليا على الاحساء حتى سنة 1904م ومنحه السلطان العثماني وساما عثمانيا راقيا ثم فيما بعد منحته الدولة رتبة بالا “رتبة عثمانية متميزة” فكان العراقي الوحيد الذي يحمل هذه الرتبة العالية جدا التي تخول حاملها نفوذا عاليا في كل دوائر الدولة العثمانية.
السيد طالب باشا النقيب من الشخصيات المثقفة جدا فهو يجيد اجادة تامة اللغة التركية والفارسية والانكليزية اضافة الى لغته العربية.
وخلال قراءاتنا عن سيرة السيد طالب باشا النقيب وعلاقته بالدولة العثمانية, وجدنا انه كان يتمتع بالحب والتقدير والاحترام من لدن السلطان العثماني عبدالحميد الثاني فعندما يزعل السيد طالب على السلطان ويرجع الى البصرة مغاضبا له, فان السلطان لا يلبث ان يستدعيه الى اسطنبول ويقربه ويمنحه الرتب ثم يعيده الى البصرة مكرما معززا.
وشائج نسب بين الصباح والنقيب:
السيد طالب باشا النقيب هو جد سمو الشيخ ناصر المحمد الاحمد الصباح من جهة الام فأم الشيخ ناصر المحمد السيدة نسيمة بنت السيد طالب باشا النقيب, فاسرة النقيب هم اخوال الصباح, كما يقول العرب: “خال الواحد خال الكل”, والنقيب كما قلنا هم من الاشراف الرفاعية التي تنتسب الى سيدنا الحسين بن علي عليهما السلام.
رجالات العرب ومنهم طالب باشا يقاومون حزب الاتحاد والترقي: تمكن الكثير من الشباب الاتراك المنتمين الى جمعيات اصلاحية عدة من توحيد جمعياتهم مع بعضها ليتشكل منها فيما بعد حزبهم المسمى “حزب الاتحاد والترقي” ويسمى اعضاء هذا الحزب بـ “الاتحاديين” وكانت بداية ظهور هذا الحزب في مقاطعة مقدونيا سنة 1906م ثم بدأ ينتشر في كل الاراضي التركية, وبعد ان قويت شوكته تمكن في شهر اغسطس 1908م من زعزعة عرش السلطان عبدالحميد الثاني بن السلطان عبدالحميد الاول, واستطاع بسطوته وقوة مؤيديه ان يرغم السلطان على اعادة اصدار الدستور العثماني الملغى “يسمون الاتراك اعلان الدستور بعهد المشروطية” وان يأمر السلطان باجراء انتخابات مباشرة وبعد الانتخابات اصبحت له الاغلبية المطلقة في مجلس النواب وبذلك تمكن حزب الاتحاد والترقي من تأسيس حكومة نيابية تأتمر بأمره, وفي شهر ابريل 1909م كشف الاتحاديون عن نواياهم المبيتة ضد السلطان عبدالحميد فأجبروه بالقوة على التنازل عن الحكم بفتوى حصلوا عليها من شيخ الاسلام محمد ضياء, وتولى العرش بعده اخوه السلطان محمد رشاد بن عبدالحميد الاول, وكان هذا السلطان الجديد يتصف بالبلاهة وضعف الرأي فتشاءم الناس من حكمه, واطلقوا على حكمه هذه الكلمة: “اذا حكم رشاد ظهر الفساد” وبعد هذه التغييرات استفرد هذا الحزب بالحكم واستبد اعضاؤه من مدنيين وعسكريين ومارسوا من السلطات ما هو اشد واقسى من حكم السلطان عبدالحميد, واصبح رجال هذا الحزب هم القوة المسيطرة على كل شيء في الدولة العثمانية, فكمموا الافواه ومنعوا الشعوب الاخرى غير التركية من المطالبة بحقوقها المشروعة, وامعانا في التخويف والترهيب انشأوا المحاكم العرفية في كل ارجاء الامبراطورية العثمانية, لارهاب الناس والبطش بمن يعترض على حكمهم, وللامانة العلمية نذكر انه بعد زوال الامبراطورية العثمانية ظهرت وثائق عدة – كانت سرية فيما مضى- اثبتت هذه الوثائق بما لا يقبل الشك ان حزب الاتحاد والترقي كان يضم بين صفوفه عناصر صهيونية وماسونية كان هدفها الاول الاطاحة بحكم السلطان العثماني عبدالحميد الثاني الذي رفض العروض السخية التي عرضها عليه مؤسس الحركة الصهيونية “هيرتزل” للحصول منه على اذن بهجرة اليهود الى فلسطين وتأسيس المستوطنات الصهيونية فيها.
وحكم حزب الاتحاد والترقي الدولة العثمانية من سنة 1909, الى سنة 1918م وحدثت في عهده ابشع الحوادث, وغالى هذا الحزب في الدعوة الى القومية الطورانية “القومية التركية” , وفرض اللغة التركية على شعوب كل البلدان الواقعة تحت الحكم العثماني ومنها البلاد العربية, وجعلها لغة المحاكم والمدارس والمعاملات, واضطهد رجالات العرب المنادين بالقومية العربية والمطالبين بحرية العرب واستقلالهم.
انتخابات
وفي سنة 1908م في بداية حكم حزب الاتحاد والترقي وقبل ان تظهر نواياه بوضوح اجريت انتخابات مباشرة في كل البلدان الخاضعة للدولة, ومنها العراق ونجح فيها السيد طالب باشا النقيب ومعه اخرون عن ولاية البصرة, والتحق طالب باشا مع غيره من الاعضاء العرب الناجحين في الانتخابات النيابية في بقية البلدان العربية باول مجلس نيابي تركي في اسطنبول يتشكل تحت اشراف حكومة حزب الاتحاد والترقي وبعد فترة قصيرة من الوقت شعر الاعضاء العرب وادركوا نوايا حكومة الاتحاديين العثمانية فهي تحاول تضليلهم وتجنيدهم لتنفيذ سياستها الهادفة لعثمنة البلدان العربية وفقا لمفاهيمها الحزبية.
في شهر آذار 1909م اسس النواب العرب من عراقيين وسوريين ولبنانيين ومصريين وغيرهم في اسطنبول ناديا أدبيا اطلقوا عليه اسم “المنتدى الأدبي” وذلك بعد ان انحلت جمعيتهم السابقة المسماة “جمعية الاخاء العربي العثماني” وهي جمعية قومية عربية تألفت في اسطنبول في آب 1908م وكان من اشهر مؤلفي “جمعية الأخاء العربي العثماني” و “المنتدئ الأدبي” السيد طالب باشا النقيب نائب ولاية البصرة الشهير, وليكن معلوما ان السيد طالب باشا النقيب انتخب عن ولاية البصرة عدة مرات للمجالس النيابية العثمانية السابقة, قبل مجيء حزب الاتحاد والترقي, فهو من النواب العرب المعروفين في اسطنبول عاصمة الدولة العثمانية.
وفي سنة 1909م, نهض بعض رجالات العرب من كل البلدان العربية وأسسوا لهم حزبا يسمى بـ”حزب الائتلافيين” ينادي باللامركزية ويطالب بحفظ حقوق العرب في البلاد العربية, ففي البصرة في سنة 1909م قام السيد طالب باشا بن محمد سعيد باشا النقيب ومعه شيخ امارة الكويت مبارك بن صباح الصباح وشيخ عربستان خزعل بن جابر الكعبي بتأسيس فرع لهذا الحزب الائتلافي غايته طرد الاتحاديين والاستقلال عن الدولة العثمانية, وعندما يتم تحرير العراق يحكمه احد هؤلاء الزعماء الثلاثة ملكا دستوريا,
وعندما احست الدولة العثمانية التي يحكمها حزب الاتحاد والترقي بخطر هؤلاء الزعماء لجأت الى شيخ عربان المنتفق الاتحادي سعدون باشا بن منصور السعدون وطلبت منه قمع هذه الحركة الائتلافية وذلك بتوجيه جيش من عشائره الى شيخ الكويت, لانه اكبر الشيوخ الثلاثة واشدهم خظرا على الدولة فاستنجد شيخ الكويت بصديقه المقرب حاكم نجد السلطان عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود فأنجده بجيش يقوده بنفسه, وكانت حركات وقرارات واجتماعات ومراسلات الزعماء الثلاثة “مبارك, طالب, خزعل” فيما بينهم او مع شيوخ القبائل, ورجالات العرب وقناصل ومناصيب بريطانيا المعتمدين في موانئ الخليج وفي اسطنبول والهند تصل الى السلطان عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود عن طريق صديقه الشيخ مبارك بن صباح الصباح.
وللامانة العلمية نؤكد ان الشيخ مبارك كان له الدور المهم في اقناع شيوخ القبائل في الانضمام الى حركة الائتلافيين, وعثرنا على الكثير من رسائله الموجهة الى هؤلاء الشيوخ.
حكومة الاتحاديين تذعن لبعض مطالب طالب باشا وجماعته وتحاول قتله: وبفضل جهود ومطالبات رجالات العرب في البلاد العربية ومنهم طالب باشا النقيب, اصدرت الحكومة الاتحادية العثمانية في شهر اغسطس 1913م مرسوما اعلن في جميع الولايات العربية, جاء فيه يتم التدريس في البلاد العربية باللغة العربية, وان يكون الموظفون من الذين يتكلمون اللغة العربية.
ونتيجة للمقاومة العنيدة التي يبديها طالب باشا لحكومة الاتحاديين العثمانية فكرت في القضاء عليه وتصفيته من الساحة وباشرت بالتنفيذ الفعلي, فبعثت باللواء فريدبيك قائدا للبصرة لكي يبطش به, وحين احس السيد طالب النقيب بالشد استعد للأمر وقرر ان يتغدى بفريد بيك قبل ان يتعشى به, وعندما وصل فريد بيك يرافقه بديع نوري بيك والي مدينة المنتفق على ظهر احدى السفن إلى مدينة العشار, أعد لهما السيد طالب باشا بعض المسلحين الذين اختفوا وراء اكوام من الحطب على ضفة نهر العشار وبعد نزولهما من السفينة. أطلق المسلحون النار عليهما فخرا صريعين وكان مقتلهما في شهر يونيو 1913م.
ولما سئل السيد طالب أمام لجنة التحقيق الرسمية أنكر ان يكون له دور في مقتلهما.
وفي سنة 1914م تواصى رجال العرب فيما بينهم وشكلو في مدن بلدانهم جمعيات أطلقوا على الواحدة منها اسم (جمعية الاصلاح) وفي مدينة البصرة أسس السيد طالب باشا النقيب الجمعية الاصلاحية في البصرة وكانت برئاسته.
وبعد ان خابت كل التدابير والخطط التي رسمتها الدوله العثمانية ممثلة بحكومتها الاتحادية من أجل القضاء على هذا الباشا العربي, اضطرت لتعيين السيد طالب باشا النقيب والياً على البصرة في سنة 1913م وكانت مدة ولايته قصيرة.
وكان السيد طالب باشا في هذه الفترة كثير الاتصال بشيخ الكويت مبارك بن صباح الصباح وبشيخ عربستان خزعل بن جابر بن مرداو وبشيوخ القبائل وقناصل الدول العظمى وخصوصاً بريطانيا. ولا ننسى ان الحرب العالمية الاولى على الأبواب والرجل المريض في النزع الأخير بفضل سوء ادارة حزب الاتحاد والترقي الذي يحوي داخل صفوفه صهاينة وماسونيين حاقدين على الدولة العثمانية ذاتها وعلى سلطانها وعلى إسلامها.
الاتحاديون يغلقون منتدى العرب في اسطنبول:
كانت الحكومة الاتحادية تراقب حركة رجالات العرب واجتماعاتهم ومن ضمنهم الباشا العربي طالب النقيب وغيره من باشوات العرب, ولما انكشفت لها اهداف جماعة “المنتدى الأدبي” الموجود في اسطنبول والذي يجتمع فيه رجالات العرب الموجودين هناك والزائرين, أقدمت الحكومة الاتحادية على إغلاقه في آذار سنة 1915م ولكن بعد فوات الاوان حيث اشتعلت الحرب العالمية الأولى, وكان اكثر اعضاء المنتدى من الضباط العرب الذين هم الان يحاربون مع جيوش الدولة العثمانية في كل الجبهات على الرغم من المرارة التي تركتها حكومة الاتحاديين في قلوبهم.
ولما سمع الضباط العرب بانطلاق رصاصة شريف مكة الحسين بن علي معلنة الثورة ضد الاتراك, ترك الكثير منهم وحداتهم العسكرية والتحقوا بالجيش العربي الذي يقوده ابناء الشريف وهم (فيصل, عبدالله, علي, زيد).
دور السيد طالب باشا في العهد البريطاني:
منذ بداية الحرب العالمية الأولى سنة 1914 م شرعت بريطانيا وباشرت باحتلال أرض العراق مبتدئة من البصرة في الجنوب وصاعدة بجيوشها إلى الشمال العراقي حتى جاءت سنة 1918م وهي سنة الهدنة وتوقف الحرب, فتم لبريطانيا احتلال العراق بالكامل, وجعلته تحت ادارتها المباشرة وعينت السير برسي كوس Sir Percy Cox المشهور بحسن ادارته ولين جانبه بمنصب الحاكم السياسي العام في العراق في بداية احتلالها له, ولكنها فيما بعد نقلته في ابريل من عام 1918 الى طهران ليكون وزيرا مفوضا لحكومته هناك وعينت بدلاً منه في العراق الكولونيل آرنولد ولسن A. Wilson حاكماً سياسيا عاماً.
واخذ العراقيون يعقدون الاجتماعات وينظمون المظاهرات الحماسية مطالبين بريطانيا بحكومة عربية اسلامية مستقلة يرأسها ملك متوج من أحد انجال شريف مكة الحسين بن علي على ان يكون مقيدا بمجلس تشريعي. وكان هذا المطلب هو الأكثر رواجا وشيوعاً آنذاك, علماً بأن هناك عدة شخصيات عراقية وعربية كانت هي الأخرى مرشحة لعرش العراق الى ترشيح أحد انجال شريف مكة. وكانت المشاعر القومية العربية هي السائدة آنذاك عند رجالات عموم عرب العراق. ولكن السلطة البريطانية برئاسة الحاكم السياسي العام ولسن Wilson (صاحب المؤلفات الشهيرة) ولم تأبه بهذه المطالب الاستقلالية.
وفي مؤتمر سان ريمو يوم 25 ابريل 1920م بين بريطانيا وفرنسا, نفذت الدولتان معاهدة سايكس بيكو, وتم اقرار الانتداب البريطاني على العراق وسورية وفلسطين. وقد نتج عن اعلان الانتداب, ردود فعل قوية في العراق, ولقد كان لـ (جمعية حرس الاستقلال) السرية التي أحد مؤسسيها السيد طالب باشا النقيب دور مهم في مقاومة الانتداب وأخذت الأوضاع في عموم العراق تتجه إلى الثورة على البريطانيين, وفعلاً اشتعلت الثورة العارمة في كل ارجاء العراق بتاريخ 30 يونيو 1920م (يسميها العراقيون ثورة العشرين) وبسبب ثورة العشرين, وما نتج عنها من اضطرابات شاملة وخسائر كبيرة بالارواح والأموال والمعدات والمنشآت, اضطرت حكومة بريطانيا العظمى انذاك أن تسحب السير برسي كوس من طهران وترجعه الى العراق لينفذ سياسة حكومته الجديدة القائمة على المسايرة والملاينة وتحقيق ما يمكن تحقيقه من امال الشعب العراقي مع المحافظة على المصالح البريطانية.
وصل السير برسي كولس Cox Sir Percy إلى بغداد في يوم الاثنين 11 أكتوبر 1920 وقابله الشعب العراقي بشيء من الارتياح, وفي يوم 26 أكتوبر 1920 م اذاع بلاغا الى الشعب العراقي, نقتطف منه الآتي: (ان فخامة نائب الملك, السير برسي كولس, يعلن لجميع أفراد العشائر, وطوائف العراق بأن حكومة بريطانيا العظمى انتدبته ليعود الى العراق لتنفيذ مقاصد الحكومة الثابتة, بمساعدة رؤساء الأمة, ولتشكيل حكومة وطنية في العراق بنظارة حكومة بريطانيا). وبعد هذا البلاغ استقرت الأوضاع وسكنت الاضطرابات وعم الهدوء قبائل العراق الثائرة, وتم تشكيل أول حكومة عراقية (تألفت في 25 أكتوبر 1920 واستقالت في 23 أغسطس 1921) تحت الانتداب البريطاني برئاسة السيد عبدالرحمن النقيب الكيلاني نقيب اشراف بغداد, واسندت وزارة الداخلية الى السيد طالب باشا النقيب. تقول مس جيرترود بيل السكرتيرة الشرقية لدار الانتداب البريطانية في العراق في كتابها المسمى (رسائل جيرترود بيل):
ان طالب باشا النقيب قابلها محتجا على انه مما يحط من كرامته واعتباره ان يتقبل مركزا ثانويا (يقصد تعيينه وزيرا للداخلية) حتى برئاسة عبدالرحمن النقيب, فاستطاعت والمستر فيلبي ان يقنعاه بان من واجبه قبول ذلك, فاشترط ان هذا لن يكون إلا بعد الإعلان بانه الرجل الثاني بعد عبدالرحمن النقيب لا غيره.
الوزير طالب باشا يستبعد من مؤتمر القاهرة بسبب مواقفه:
عقد مؤتمر القاهرة بأمر وبحضور وزير المستعمرات البريطانية السير ونستون تشرشل وتشكل الوفد العراقي برئاسة المندوب السامي البريطاني السير برسي كوكس, وضم في عضويته وزير الدفاع العراقي جعفر العسكري ووزير المالية العراقي ساسون حسقيل اليهودي, وعددا من القادة والمستشارين البريطانيين, من اهمهم السكرتيرة الشرقية لدار الانتداب البريطانية في العراق صاحبة المؤلفات والكتابات الكثيرة وهذه السكرتيرة اسمها المس جيرنزود بيل وهي اشهر من نار على علم عند الباحثين والمؤرخين لهذه الفترة من تاريخ العراق وتاريخ المنطقة.
وتم استبعاد وزير الداخلية السيد طالب باشا النقيب من عضوية الوفد بسبب مواقفه الاستقلالية ومطامحه الشخصية الكبيرة, وغادر هذا الوفد بغداد الى القاهرة في يوم 22 فبراير 1921 ومن اهم مقررات مؤتمر القاهرة ترشيح الامير الشريف فيصل بن الحسين بن علي لعرش العراق, واستبعاد اسماء المرشحين الاخرين الذين من بينهم السيد طالب باشا النقيب الطامح بتولي العرش العراقي والمؤيد والمدعوم بقوة من بعض الشخصيات العراقية ومن بعض الشخصيات البريطانية أمثال مستشار وزارة الداخلية العراقية المستر جون سانت فليبي.
التحق فيما بعد بالملك عبدالعزيز آل سعود واسلم وتسمى بعبدالله فيلبي ومستشار وزارة المعارف مستر رايلي. وبعد ان انفض مؤتمر القاهرة ابرق السير برسي كوكس الى سلطان نجد عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود يحيطه علما بما تقرر فتلقى منه جوابا مؤرخا في 7 مارس 1921 يعرب فيه عن شكره لاهتمام المؤتمر به واحاطته علما بما تقرر فيه.
ومن القاهرة ابرق الأمير فيصل بن الحسين هذه البرقية الى السيد طالب باشا النقيب هذا نص البرقية:
من فيصل الى السيد طالب باشا
بعد ان قضيت مدة من الزمن في اوروبا, رجعت الى مكة وقابلت والدي وقد تحقق لي في اوروبا, وهنا ان الشعوب العربية ترغب في معاونتنا لهم لاجل اعداد مستقبل بلادهم, فلي الامل ان أجد منكم معاونة واخاء في تحقيق رغائب اهل العراق واني اؤمل ان تكون النتيجة احسن منها الان وان يتوج الله اعمالنا بالنجاح انه على كل شيء قدير.
عاد الوفد العراقي من القاهرة الى بغداد فوصلها في 9 فبراير ,1921 وتقرر في مؤتمر القاهرة اخراج وزير الداخلية السيد طالب باشا النقيب من العراق, واعلان العفو العام عن المشاركين في الثورة العراقية الكبرى (ثورة العشرين) في اقرب وقت ممكن وفعلا اصدر المندوب السامي البريطاني السير برسي كوكس عفوا عاما عن جميع الذين اشتركوا في ثورة العشرين عدا بعض الافراد الذين تعتبرهم السلطة البريطانية قد ارتكبوا جرائم كبيرة امثال الشيخ ضاري المحمود شيخ قبيلة زوبع الشمرية في الفلوجة المتهم بقتل الكولونيل البريطاني لجمان Leachman الحاكم السياسي في لواء الدليم, “هذا الضابط خبير جداً بالشؤون العربية, ويجيد اللغة العربية اجادة تامة, تجول قبل الحرب في بلاد العرب باسم الشيخ عبدالله”, وبدأ المندوب السامي البريطاني السير برسي كوكس يمهد الطريق ويهيئ الاجواء لتولي الامير الشريف فيصل بن الحسين عرش العراق, ولكن قبل كل شيء عليه رسم الخطط المحكمة والكفيلة بازاحة السيد طالب باشا النقيب من الطريق, لان وجود السيد طالب باشا النقيب بمقتضى منصبه الستراتيجي كوزير للداخلية, وبصفته أقوى الرجال وأشدهم تأثيراً في العراق قد يقضي على فرصة نجاح الامير الشريف فيصل في العراق, وبذلك يقوض جميع الخطط التي رسمت ووضعت بدقة في مؤتمر القاهرة.
أحس وزير الداخلية السيد طالب باشا النقيب بما يبيته له الانكليز فأخذ يجمع حوله مريديه ومؤيديه من شيوخ القبائل ورجالات عرب العراق المهمين, وأخذ يتجول ويتنقل في مدن العراق, ويخطب في الناس خطباً حماسية طالباً تأييدهم ومساندتهم له ووزع الاموال الكثيرة على الناس خلال جولاته وتنقلاته في ارجاء العراق, وكان هدفه من كل هذه التصرفات والجولات والخطابات التي يقوم بها وهو مازال وزيراً للداخلية العراقية فرض نفسه بقوة على الانكليز لكي يسهلوا له الامر, بالوصول الى تاج العرش العراقي, لانه يعتبر نفسه أحق به من الامير الشريف فيصل بن الحسين بن علي, ومن كل المرشحين الاخرين.
الانكليز يلقون القبض على السيد طالب بخطة ذكية:
في مساء يوم 16 ابريل 1920 دعت الليدي كوكس زوجة المندوب السامي البريطاني وزير الداخلية السيد طالب باشا النقيب الى حفلة شاي في بيتها في دار الانتداب, فلبى الدعوة وجاء اليها, ولما أراد الخروج شكرها على حسن استقبالها له وحفاوتها به, ورافقته مشيعة له عند خروج المس جيرترود بيل السكرتيرة الشرقية لدار الانتداب البريطاني, حتى أوصلته الى الباب الخارجي لدار الانتداب, وبعد ان صعد وزير الداخلية السيد طالب الى سيارته لوحت له المس بيل بيدها وعادت راجعة, ولما شغل سائقه السيارة وتحرك وجد الطريق أمامه مسدودة بعدد من سيارات الحمل (اللوريات) وعندما هم السيد طالب بالاعتراض على سوء الادب هذا, طوقت سيارته ثلة من الجيش البريطاني كانت تنتظره على الباب واعتقلته, ثم بعد ذلك تم نفيه الى جزيرة سيلان بالهند مع صرف راتب شهري له مقداره 2500 روبية – وبعد ان قضى السيد طالب باشا النقيب سنتين بالمنفى سمح له بالسفر الى اوروبا.
- See more at: http://al-seyassah.com/%d8%b7%d8%a7%d9%84%d8%a8-%d8%a8%d8%a7%d8%b4%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%82%d9%8a%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ac%d8%a7%d9%87%d8%af-%d9%84%d8%a5%d8%ad%d9%8a%d8%a7%d8%a1-%d9%85%d8%ac%d8%af-%d8%a7%d9%84/#sthash.MmagEZcT.dpuf


-----------------------------


جريدة السياسة - 12/4/2014



تعددت مزاياه واحتلت مساحة كبيرة في موروث الجزيرة العربية

أنواع وأنساب الذلول الأصيلة الكريمة

بقلم: أحمد بن محارب الظفيري
“الذلول العمانية”: وهي الذلول المنتقاة من الابل العمانية الاصيلة وتنسب هذه الابل الى بلاد عمان حيث توجد سلالاتها الاصيلة عند عربان بوادي عمان ومنهم درجت “انتقلت” الى قبائل جزيرة العرب ويتردد ذكر الذلول العمانية في قصيد واشعار عربان الجزيرة كثيراً.
وهذا الشاعر الاسود بن مبارك الحسيني الظفيري رحمة الله عليه, ابعدته المقادير في سنة 1925م عن زوجته الظفيرية المسماة “هنديه” فأخذ يتوجد عليها ويتمنى رؤيتها, لذلك فهو يخاطب ذلوله الاصيل “ولد العمانية” بالابيات الشعبية التالية, طالباً منه ان يسرع في هجيجه (ركضه) ليوصله اليها. والابيات من نوع الهجيني, والقصيدة تسمى “هجينيه” يقول الاسود:
ما حلى هجتك يا “ولد العمانية”
بسهلة ما نطالع فيها الازوالي
امساني الليل ما روحت هنديه
امساني الليل وانا عامس بالي
أبو نهيد يشادي بيض قمريه
واللا الزبيدي برقوق ليا سالي
أكله من الزاد بس الذوق بشفيه
وشربه من الماء يقوسونه بفنجالي
شرح البيت الاول: يقول: ما احلى هجتك (ركضك) يا ولد العمانية في ارض سهلة لا نطالع فيها الازوال (الاشباح والاجسام).
شرح البيت الثاني: يقول: امساني (ادركني المساء, الليل) وما روحت (ما وصلت) الى هنديه, وامساني الليل, وانا عامس (دائخ, مختلط) بالي (اي مزاجي) متعكر.
شرح البيت الثالث: يقول: نهيد (مصغر نهد) هنديه, يشادي (يشبه) بيض القمرية (الحمامة) او هو يشبه الزبيدي (الكمأ الابيض) النابت في رقوق سائل بالماء.
شرح البيت الرابع: يقول: ان أكل هندية من الزاد فقط تذوقه بشفتيها اما شربها من الماء فهم يقوسونه (يقيسونه) بمقدار فنجال (فنجان) القهوة.
وهذا شاعر آخر ينصح من لم يجد رزقاً في بلده, ان يركب على الذلول “بنت العماني” ويفتش عن الارزاق في ديار الله الواسعة, يقول:
ما تندم من ركب “بنت العماني”
في رجا مولاه والفرجه سليمه
ما حلى المسرى ليا نام الهداني
فوق “هجن” يقطعن درب الخريمه
ليا افلس الرجال من كل المعاني
وش يبي بالدار وقعود الهضيمه
الفجوج وساع يا ذرب الايماني
والمرازق عند ربك مستديمه
“الذلول الصيعرية”: وتنسب هذه الذلول إلى الإبل الصيعرية, التي توجد عند بعض قبائل جزيرة العرب, ولا يشك اعراب البادية في اصالة هذه الابل, والذلول من هذه الابل كثيرة الترديد في قصيد واناشيد البدو, فهي معتادة وصبورة على قطع المسافات واقتحام المفازات, وتقاوم بقوة واقتدار ظروف الجو الصعبة القاسية مثل شدة الحرارة والرياح والعطش.
والابل الصيعرية ترجع بأصولها لليمن فهي من ذرية الابل الاصيلة والمنسوبة الى احدى قبائل اليمن وهي “قبيلة الصيعر” التي لها ذكر قديم في التاريخ.
وهذه ابيات لوالد كاتب هذه السطور قالها قبل سبعين سنة من قصيدة شعبية طويلة يصف فيها ناقته الصيعرية المولدة عند الظفير:
يا ذلولي ناسف فوقك شدادي
جاني المطراش وانتي صيعرية
زومعي بي عن سواهج النوادي
وارفقي بي يوم ما غيرك خويه
وان نشدت القلب وش نية مرادي
قال ما دون الهنوف الضومرية
معنى البيت الاول: يقول الشاعر: يا ذلولي لقد نسفت (وضعت) فوق ظهرك شدادي (مركبي الخشبي)
بسبب اني نويت المطراش (السفر) وانت اصيلة صيعرية.
معنى البيت الثاني: يخاطب ذلوله الصيعرية ويأمرها بأن تزومع (تهرول) به لتبعد عنه سواهج النوادر (النعاس) ثم يطلب منها بأن ترفق بحالة لأنه لا يجد خوياً (صديقاً) له غيرها.
معنى البيت الثالث: يقول اذا انشدت “سألت” القلب عن ايش يرغب ويريد? فإنه “القلب” يرد على سائله ليس هناك شيء يعادل الوصول الى اهل الهنوف “الحسناء” الضومرية “الضامرة” فهذا السفر من اجلها.
ملاحظة: لا تنس ان هذا شعر شعبي اسماه ابن خلدون (ت808هـ / 1405م) بالشعر البدوي وذكر ان كلماته موقوفة الاخر تلتزم بالسكون ولا تلتزم بحركات الاعراب, ويعرف الفاعل من المفعول به والمبتدأ من الخبر من سياق الكلام.
الذلول الحرة: وهي من ذرية الابل الحرة التي كانت ايام زمان عند بعض قبائل الجزيرة العربية مثل قبيلة الشرارات ومطير والظفير وشمر وعتيبة.
يقول الشاعر الشعبي واصفاً ابل آل ثاني حكام قطر وهي من الابل الحرة:
يا راكب اللي بعيد الخد يطونه
“حراير” من سلايل جيش ابن ثاني
من الثميلة لدار الشوق يمسنه
لا روحن بالوصايف جول غزلاني
تكفون يا اهل النضا سجوا عليهنه
سجوا ولجوا وصيور العمر فاني
لابد من خرقة بيضا على السنة
والموت من قبلنا ما عاف راكاني
شرح البيت الأول: يقول الشاعر: يا راكب اللواتي بعيد الخد “الارض” يطونها لأنهن ابل حرائر من ذرية جيش ابن ثاني (حاكم قطر).
شرح البيت الثاني: يقول انطلقت هذه الركائب الحرة من الثميلة “الثميلة حسو ماء قبل العمق” متجهات الى دار الشوق “دار الحبيبة” وعند المساء اذا روحن “وصلن” فهن بالوصائف مثل جول الغزلان يستخدم البدو الحاليين “الجول” و”السرب” بنفس معناه الفصيح وهو القطيع من الغزلان والمها.
شرح البيت الثالث: يقول تكفون “نرجوكم” يا اهل النضا اهل الركايب سجوا تفسحوا عليهن, وايضاً وانتم على ظهورهن لجوا “اعملوا لجه اي اكثروا من القصيد” فصيور “فصيرورة” العمر فان “ميت” اي تمتعوا واستانسوا على هجنكم الاصيلة فنهايتكم الموت.
شرح البيت الرابع يقول: آخر حياة الانسان لابد من خرقة بيضاء يقصد الكفن كما امرت السنة, والموت من قبلنا “ما عاف ما ترك” راكان “شيخ قبيلة العجمان الفارس والشاعر راكان بن فلاح بن حثلين توفي سنة “1310 هـ / 1892″م.
والابل الحرة هي ابل تتميز بالقوة الجسمانية وتوجد اعداد منها كثيرة عند معظم قبائل جزيرة العرب على عكس الانواع الاصيلة الاخرى من الابل التي تحتكر وجودها وتربيتها قبائل معينة في جزيرة العرب وفي اليمن وعمان والامارات والعراق وسوريا.
الذلول الباطنية: وهي من الابل الباطنية الاصيلة وتوجد في ساحل الباطنة في عمان وهي رشيقة ورقيقة ومن ارفع وانبل انواع الابل وهي ذلول الحكام والسلاطين من اهل الحاضرة وتجد صعوبة في العيش وسط الصحراء ولكن عرب جنوب الجزيرة تمكنوا من تهجينها بتزاوجها مع جمل الصحراء.
الذلول التيهية: تنسب هذه الذلول الى الابل التيهية وتسمى ايضاً بالابل التيهيات ويقال: ان هذه الابل تحدرت من ناقة مدجنة مستانسة ضربها جمل متوحش هامل بالصحراء اسمه التيهي لأن اي راع من رعاة الابل حالما يشاهد اثار التيهي على الارض فإنه يفرح غاية الفرح حيث يعمد الى اطيب نياقه ويعقلها عقلاً جيداً بوضع البروك ويتركها في مكان ناء ويبتعد عنها هو وقطيع ابله ويدعو الله ان يأتي التيهي الجمل الوحش الى ناقته ليضربها فإن تحققت امنية الراعي وتم تضريب الناقة من قبل التيهي فإن امنية الراعي الثانية هي ان تلد ناقته حوارة انثى حيث ان ذرية هذه الحوارة بعد ان تكبر وتصبح ناقة ستكون سلالة متميزة على مر السنين تسمى بالابل التيهية.
وهذا الاعتقاد الذي نسمعه اليوم عند البدو الحاليين عن الجمل المتوحش “التيهي” وتضريبه “تزوجه” لنياقهم له جذور قديمة في تراث العرب الاوائل عرب الجاهلية والاسلام فهم ينسبون بعض الابل عندهم الى “فحول الحوش” وهي جمال متوحشة هائمة في البراري تنسب الى الجن وتسمى هذه الابل المتولدة من “فحول الحوش” بالابل الحوشية وذلولها ذلول حوشية يقول ابوالفضل احمد بن محمد الميداني ت518هـ / 1101م في كتابه “مجمع الامثال”: الابل الحوشية منسوبة الى الحوش يعني ان فحولها من الجن لان العرب تزعم انها ضربت في نعم بعضها فنسبت الابل اليها فقوله للناقة من الحوش اي من نسل فحول الحوش ويقال ايضاً للنعم المتوحشة الحوش”.
ويذكر ابوعثمان الجاحظ عمرو بن بحر ت”255هـ / 869م” في كتابه “الحيوان”: إن من العرب من يزعم ان في الابل ما هو وحشي وانها تسكن ارض وبار منطقة في رمال الربع الخالي وهي غير مسكونة بالناس.
لاحظ عزيزي القارئ ان الميداني – رحمة الله عليه – لم يؤكد وجود فحول الحوش الجنية فهو يقول: ان العرب تزعم انها ضربت في نعم بعضهم وكذلك العلامة الجاحظ, رحمة الله عليه, غير مطمئن بوجود ابل متوحشة وبسبب شكه بالامر استخدم ايضاً كلمة يزعم بعض العرب.
ولكن للرحالين وللمستشرقين الاجانب الذين زاروا بوادي العرب وتجولوا فيها راياً حول موضوع الجمل المتوحش التيهي ونحن نرجح رأيهم ونظن انه الصواب فهم يقولون ان هذا الحيوان التيهي ما هو الا جمل ضائع ومع مرور الوقت همل وتوحش وعاش في مجاهل الصحراء وابتعد عن مواطن البشر والحيوانات ونحن نعرف ان الكثير من البدو قد يفقد بعض جماله في الصحراء وقد يكون هذا التيهي من هذه الجمال الضائعة التي لم يعثر عليها ولا تنسى ان عملية الضياع والعثور في بعض الاحيان على المفقود عملية مستمرة عند اهل البادية وبعض هذه الجمال الضائعة تهمل وتتوحش في الصحراء وقد لا يعثر عليها وان عثر عليها فبعد فترة من الزمان طويلة والحيوان او الجمل التيهي عند العرب الاواخر يقابله الفحل او الجمل الوحش عند العرب الاوائل.
الذلول بنت عدهان” او ما تسمى “الذلول العدهانية”:
هي ذلول اصيلة شاع ذكرها عند قبيلة الشرارات (حفيدة قبيلة كلب الذائعة الصيت بالتاريخ العربي) وتقطن شمال المملكة العربية السعودية على حدود الاردن. وسميت هذه الابل التي منها هذه الذلول بـ “العدهانية” نسبة الى مكان معروف في ديرة الشرارات يسمى “عدهان” ففي هذا المكان شاهد راعي الابل الشراري اثار الجمل التيهي المتوحش فعقل اطيب نياقه في هذا المكان “عدهان” وابتعد عنها ومن حسن حظه ان جاء التيهي الى هذه الناقة المعقولة وضربها فلقحت منه, ومن ذريتها جاءت الابل الاصيلة العدهانية, هذه هي الرواية الاسطورية التي يرددها بدو الشرارات عن اصل هذه الابل.
“الذلول العيدهية”: وهي الذلول المنتقاة من الابل الاصيلة المسماة “عيدهية” وتوجد عند قبيلة الشرارات وعند بعض قبائل شمال الجزيرة. وحول اصل هذه الابل, بعض البدو يجعل “الابل العيدهية” هي ذاتها “الابل العدهانية” وانما الاختلاف فقط في نطق الاسم, فان قلت “عيدهيه” او “عدهانية” فالمعنى واحد, ولقد سألت قبل 35 سنة الكثير حسبما هو مدون في مخطوطاتي الكثير من شيبان “شيوخ” البدو عن هذا الموضوع, فاختلفوا في الامر بعضهم مؤيد وبعضهم معارض. وخلال قراءاتنا ومطالعاتنا في المراجع العربية وجدنا ان “الابل العيدهية” هي غير “الابل العدهانية” فهذا أحمد بن يعقوب الهمداني (ت 360 هـ/970م) يذكر في كتابه “صفة جزيرة العرب” ما نصه: “إن الابل العيدهيات جمع عيدية, فالهاء مزيدة, تنسب الى قبيلة العيد من المهرة, وهي ابل سريعة”.
وجاء في اشعار العرب القديمة حول هذه الابل, قول احدهم:
العيدهيات العياهيم السحق
وقد طوت حنطوة الخرق الأمق
العياهيم السحق: الطوال من الابل والنخل. حنطوة: اسم مكان.
يذكرون رواياتهم عن الابل “التيهية” و”العدهانية” و”العيدهية” باساليب وصيغ متنوعة, بينما المضمون والمحتوى لكل هذه الروايات هو واحد, لان كل عرب يرون الحكاية بطريقتهم الخاصة التي سمعوها من اجدادهم, ولكن عند رجوعنا للمراجع والمصادر العربية القديمة, يظهر لنا اصل وحقيقة هذه الروايات التي تشعبت وتنوعت على السنة رواتها بسبب قدم اصولها وبعد جذورها.
“الذلول الشرارية”: قبيلة الشرارات اشتهرت بامتلاكها للكثير من الهجن الكريمة الاصيلة, وأشاد الرحالة والمستشرقون الاجانب الذين زاروا صحاري العرب بابل الشرارات ووصفوها بانها من اكرم وانجب السلالات في جزيرة العرب.
واذا مدح البدوي من القبائل الاخرى جمله بالسبق قال: “ما يلحقه قعود الشرارات” او قال: “ما يلحقه قعود اللحاوي”.
و”القعود”: هو الفتي من الابل, اما “اللحاوي” فهو اسم جد أعلى لأسرة كريمة من الشرارات, وكعادة البدو يطلق على كل رجل لا يعرفه اسم اسرته او اسم قبيلته.
ويتردد اسم الذلول الشرارية في الكثير من اشعار وقصائد العربان, فكل واحد يمدح ذلوله ويصفها بالشرارية. فهذا احد الشعراء يقول هذا البيت الشعبي من قصيدة طويلة:
يا راكب حمرا من “ركاب الشرارات”
لولا الرسن بالراس ما ينقوي له..
ويقول لأمير تركي بن عبدالعزيز الأول:
ياراكبا من فوق”حرة شرارية”
ليا روحت بالطلب ياتي
“الذلول المهرية”: الواحدة “مهرية” والجمع “مهارى” وهي ابل نجيبة, يتردد اسمها بكثرة في كتب التاريخ والتراث العربي, وتنسب الى قبيلة “المهرة” من قضاعة من قحطان, وتقطن بين حضرموت والربع الخالي وعمان.
- “الجمل هُديب”: سمي بهذا الاسم بسبب كثرة الهدب “الوبر” على رأسه وجسمه. والجمال الهدب تنتج من التزاوج بين الابل ذوات السنامين وذوات السنام الواحد. والابل ذوات السنامين هي التي ذكرتها كتب التاريخ والادب العربي القديم تحت مسمى “الابل البختية” او “الابل الخرسانية” وتجلت من خارج بلاد العرب, وشاع ركوبها واستخدامها لدى الخلفاء والاعيان ايام الدولة العباسية. اما الابل ذوات السنام الواحد فهي الابل العربية التي تعيش في جزيرة العرب. والجمل “هديب الشام” المتولد من تزاوج ذوات السنام مع ذوات السنامين, شاع استخدامه عند اهل الشام وهو قوي جدا ويتحمل الاحمال الثقيلة استخدمه العثمانيون في حمل محامل الحج, ونقل الميرة والتموين الى معسكراتهم ومدنهم, واستخدموه في جيوشهم لسحب الاطواب (المدافع). ونسبة الى الجمل “هديب الشام” اطلق اهل البادية على الرجل القوي الجلد الصبور هذا المثل “فلان مثل هديب الشام شيال المحامل”. يقول الشاعر الشعبي يمدح رجلا اسمه شاهر:
شاهر هديب الشام شيال الاحمال
زود على حمله نقل حمل أليفه
فهو يصفه بالجمل هديب شيال الاحمال, اضافة الى حمله الذي على ظهره نقل حمل اليفه “الفه” صاحبه عندما عجز عن مواصلة المسير بسبب ثقل الحمل. وهذا الجمل هديب الشام, على الرغم من قوته الجسمانية وحمله الاثقال الكبيرة, فهو لا يستطيع العيش في صحارى العرب بسبب شدة الحر وقلة الماء, فهو لا يتحمل الحرارة والعطش, على عكس الجمل العربي ابن الصحراء العربية.
- “تبخت جمل الاعرابي”: تذكر كتب النوادر: ان اعرابيا ضل جمله, فجعل ينشده الى ان دخل الامارة, فرأى على باب الامير جملا بختيا, فاخذه وقال: هذا جملي.
فقيل له: ان جملك كان اعرابيا.
قال: لما اكل علف الامير تبخت.
فضحك الامير منه وتركه يعيد قوله ويعجبه.
علياء الهلالية تصف الذلول الأصيلة
قالت علياء زوجة أبي زيد الهلالي سلامة توصيه بكيفية اختيار الذلول الأصيلة:
أبوزيد لو أن النساء تركب النضا
جيتك على وجناء من الهجن حايل
غزالية المقدم جمالية القفا
عليكم بها يا راكبين الرحايل
وان جاء الشتاء عليك بالسمرعيه
وبالقيظ دور من كبار الثمايل
واذحر ترى جرد السبايا مغره
عيرات الأنضا خير منها فعايل
معنى البيت الأول:
تخاطب علياء زوجها أبوزيد قائلة له لو أن النساء تركب النضاء (الذلل) – جمع ذلول – وهي الإبل الأصيلة التي يركبها الرجال, أو ما يسمونها (الجيش) – الهجن – وكلمة الجيش – بالفصحى – المقصود بها الفرسان الراكبين الهجن للغزو أو للحرب, وقد يرافقهم القليل من الخيل أما الكثرة فهي للإبل.
فلو ان النساء مسموح لهن ركوب النضاء (الجيش) لجئت إليك على ذلول حرة وجناء (قوية) حائل لم يضربها الفحل. لأن الناقة اللقمة تكون ضعيفة.
معنى البيت الثاني:
وهذه الناقة التي سآتيك عليها مقدمها – وجهها وهيئتها الأمامية – يشبه الغزال رقة وملاحة. أما قفاها – مؤخرتها – فهو ضخم يشبه مقفى الجمل الضخم الكبير. ومثل هذه الناقة فإني أنصح بها كل من يركب.
الرحايل – جمع راحلة أو رحول – وهي ناقة الركوب. وفي اللغة »ناقة جمالية« وثيقة تشبه الجمل في خلقتها وشدتها وعظمها, فمثل هذه الناقة هي مصدر الجمال والحسن.
معنى البيت الثالث:
وأني أنصحك يا أبازيد بالشتاء عليك بركوب الناقة العُمانية (السمرعية) الأصيلة. اما بالقيظ وشدة الحر فعليك بركوب الناقة الحرة الصحراوية كبيرة البطن والجوانب (كبيرة الثمايل).
معنى البيت الرابع:
وأحذرك يا أبازيد فإن الخيل (جرد السبايا) تغرر براكبها وخاصة عند قطع المسافات الطويلة وفي الجو الحار فانها لا تقاوم , بينما عيرات الأنضا (الإبل الأصيلة) خير منها فعايل بمثل هذه الظروف الصعبة. و»السبايا«: هي الخيل, والواحدة »سبية« والمسمى عربي فصيح.
الإبل الشرف: الابل الشرف: لقد وجدنا في كتب التراث العربي القديم ذكرا للابل الشرف “جمع شرفاء وشارف” وهي ابل اصيلة نجيبة كانت معرفة عند العرب الاوائل عرب الجاهلية والاسلام وفي عصرنا الحالي ايام البدو والبداوة هناك ابل نجيبة يملكها الدوشان شيوخ قبيلة مطير, وهي ابل سود “مجاهيم” تسمى بـ “الابل الشرف” وهي اشهر من نار على علم عند قبائل العرب, كتب عنها الدكتور فؤاد جميل والمؤرخ المحامي عباس العزاوي والمعتمد البريطاني بالكويت ديكسون. كتب فؤاد جميل عن الابل الشرف قائلا: “لقد عرفت البادية العربية قطيعا من الابل سماه اهلها “الشرف” كان ملكا لقبيلة “مطير” البدوية, نابهة الذكر والشأن. انها ابل غرابيب سود اعتاد البدو على النظر اليها نظرة قريبة من التقديس, لذلك فهم يذودون عنها كل غريب”(2).
اليمن الموطن الأساسي للإبل العربية الأصيلة:
تذكر كتب التاريخ والتراث العربي القديم, منذ الجاهلية والجاهلية لفظة مجازية لا تعني الجهل وانما تعني عصور ما قبل الاسلام ومرورا بكل العصور: ان قبائل عربان اليمن, تملك سلالات اصيلة للابل, ومنهم درجت (انتقلت) الى قبائل عربان جزيرة العرب, ثم انتشرت في كل نواحي الجزيرة وما جاورها من الاماكن والبلدان, فمثلا يذكر شهاب الدين احمد بن عبد الوهاب النويري (ت 733هـ/1332م) في كتابه الشهير (نهاية الأرب في فنون الادب): “ان الجمل اليماني هو النجيب, وينزل بمنزلة العتيق من الخيل” ويقصد النويري بكلامه ويشاركه الكثير من المؤرخين والادباء العرب الاقدمين: ان الجمل اليماني هو النجيب والقرم المتفوق بالمعاني والخصال الطيبة جسميا ومعنويا على كل انواع الابل.
أمثال وكلمات فصيحة يتداولها العرب لها علاقة بالإبل:
جاء في امثال العرب, الأوائل قولهم: “اشبعهم سبا وراحوا بالابل”: يضرب بالجبان الذي لم يكن عنده الا الكلام والسب على الغزاة الذين اخذوا ابله. ويقابله في امثال العرب الاواخر قول احدهم: “يا الله بأباعر جدوى اهلها الدعاء”: هذا القول لاحد غزاة البدو, فهو يطلب من الله ان يرزقه بأباعر ليس لاهلها حول ولا قوة لاستنقاذها منها غير الدعاء عليه بالشر.
هذا بيت من الشعر يقوم مقام المثل, يطلقه العرب الاوائل على الراعي الذي لا يحسن سقي إبله, عند قدومها من الفلاة لورد الماء من البئر: “اوردها سعد وسعد مشتمل… ما هكذا تورد يا سعد الابل” وسعد هو سعد بن زيد مناة اخو مالك, وكان مالك آبل اهل زمانه ثم انه تزوج وبنى بامرأة فاورد اخوه سعد الابل فلم يحسن القيام عليها والرفق بها فقال مالك هذا البيت مخاطبا اخاه سعد. وهذا البيت مثل يضرب لمن تكلف امرا لا يحسنه. ويقول العرب الاواخر: “الرجل الذي يشمر عن ذرعانه وينفذ ثوبه يسقي ابله نهار الورد” اي ان الرجل صاحب الهمة العالية النشيط المتحفز هو الذي يسقي ابله نهار الورد. تقول العرب في امثالها: “اذل من بعير سانية” او تقول: “فلان ذليل مثل بعير السناية او السانية”: ويضرب هذا المثل بالذليل الجبان, فهو يشبه بعير السناية الذي يسحب الدلو من القليب (البئر) والذي يتصف عادة بالطاعة والخنوع وامتثال اوامر صاحبه الذي يركبه اثناء عملية منح (سحب) الدلو من القليب وتفريغ الماء منها ثم الرجوع الى القليب مرة ثانية, وهكذا دواليك. قال الشاعر الجاهلي الطرماح: قبيلة اذل من السواني وأعرف للهوان من الخصاف الخصاف: هو النعل الذي يلبس في القدم.
تقول العرب في امثالها: “فلان أبخل من الحوار على لبن امه”: يضرب بالبخيل الشحيح فهو ابخل من الحوار (ولد الناقة) الذي لا يحب ان يشاركه في لبن امه احد.
النبيلة الإنكليزية صديقة الجمل العربي
ومن ابرز الرحالة والمستشرقين الغربيين الذين جاؤوا الى المشرق العربي النبيلة الإنكليزية الليدي آن بلنت وهي حفيدة الشاعر الإنكليزي الشهير اللورد (بيرون) وزوجة الشاعر السياسي الإنكليزي ويلفريد سكوين بلنت, حيث غادرت انكلترا في 20/11/1877م برفقة زوجها ووصلت الى مدينة حلب وباشرت بتأمين ما تحتاج من لوازم السفر, فاستأجرت من حلب طباخ مسيحي اسمه حنا وخادم مسيحي اسمه جرجي, ثم فيما بعد استأجرت طباخا مسيحيا اخر اسمه ابراهيم والجميع من عرب سورية. اما الأدلاء العرب الذين رافقوها في رحلتها الى نجد فمن ابرزهم الشاب محمد بن عبدالله العروج شيخ مدينة تدمر وهو من اسرة عربية بدوية مهاجرة من جزيرة العرب ترجع باصلها الى شيخ قبيلة بني لام المدعو “ابن عروج” المعروف عند عربان البوادي باسم “ابن عروج مقدم بني لام” وما زالت قصصه واشعاره تتردد الى اليوم عند عربان الجزيرة العربية. ومن الادلاء البدو الذين رافقوها في رحلتها الى نجد حمدان الشراري وعواد الشراري وعبدالله الشمري وراضي الشمري (قابل كاتب هذه السطور حفيده). ورافقها الكثير من الأدلاء في رحلتها الى بغداد وبادية الجزيرة الفراتية لا يتسع المجال لذكرهم. لقد جابت وساحت هذه النبيلة البريطانية الليدي آن بلنت وزوجها ويلفريد بلنت في معظم الحواضر والبوادي العربية في سورية والعراق ونجد وقطعت عدة آلاف من الكيلومترات واستغرقت رحلتها سنتين ونصف تقريبا. كل هذه الازمان والمسافات قطعتها على ظهر الجمل العربي, يوم كان الجمل العربي هو سيارة ذلك الزمان… وكان الزمان, زمان التأني والبطء وليس عصر السرعة والكهرباء والتكنولوجيا, وكما يقولون بالمثل الدارج: “لكل زمان دولة ورجال”… والآن عزيزي القارىء اسمع وداع النبيلة البريطانية آن بلنت المؤثر لصديقها الجمل العربي عندما فارقته وركبت سفينة البحر متجهة الى بلادها… بلاد الإنكليز تقول(3): “لقد ذرفنا الدموع عندما فارقنا الجمال كتلك الدموع التي يذرفها الناس عندما يفارقون اعز ما يملكون. وهذه الحيوانات المخلصة قد قامت بكل ما طلب منها دون تذمر, حيث لم اقل لها اي كلمة, مما يثير شجوني تذكري كم كانت هذه الحيوانات مطيعة ولطيفة, بينما تقرأ ما كتبه بعض الرحالة عن نزعاتها الشريرة تعصبا لغيرها من المطايا
واذا ما ضجر المسافر من رغائه فعليه ان ينظر تحت قتبه قبل امتطائه فلعله يجد سببا لتذمراته العالية التي يصدرها هذا الحيوان المسكين. وبشكل عام يرغو الجمل غير المروض بسبب الخوف, ويرغو الجمل عندما يجرحه القتب (الشداد). فكم من مرة تنبهت على صوت جملي وهو يتوسل بادارة وجهه الواجم ليوكز ساعدي, فأجد عندها بان القتب يحتاج الى حملة حشو مرة ثانية, وفي اكثر من مرة يحين الوقت للترجل اذ لم اكن راغبة بتعريض نفسي لخطر السقوط. فهل هذا السلوك يعد من قبيل المزاج السيئ? ام انه الحاجة الى اشعار الآخرين بما يحدث? وكم احببت الخيل الا انني اعتبرها اقل مرتبة من الجمل, ومن يشك في هذا القول عليه ان يصطحب الجياد والجمال في رحلة ويرى بعينيه تصرف كل منهما”.
(1) راجع قبائل بدو الفرات عام 1878م للرحالة البريطانية الليدي ان بلنت ترجمة اسعد الفارس ونضال خضر معيوف, دار الملاح, دمشق, سورية, الطبعة الأولى 1412 هـ / 1991م ص 129 و130.
(2) راجع مجلة التراث الشعبي العدد 8 سنة 1970م ص64.
راجع المصدر السابق قبائل بدو الفرات ص395 و396.
- See more at: http://al-seyassah.com/%d8%a3%d9%86%d9%88%d8%a7%d8%b9-%d9%88%d8%a3%d9%86%d8%b3%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b0%d9%84%d9%88%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b5%d9%8a%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%b1%d9%8a%d9%85%d8%a9/#sthash.zXtrEPMo.dpuf

هناك تعليق واحد:

  1. السلام عليكم
    ممكن اتواصل معك اخي احمد ؟
    عبر الايميل malsalmy@gmail.com
    عندي بعض الاستفسارات عن التاريخ والتراث
    وايضا عن غلوب باشا ابوحنيك بحكم ان الظفير عاشروه واختلط بهم

    ردحذف